الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما قمت به من حلف على أمر ماض كذبا هو من اليمين الغموس، وهو من كبائر الذنوب، ففي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ما الكبائر؟ قال: «الإشراك بالله» قال: ثم ماذا؟ قال: «ثم عقوق الوالدين» قال: ثم ماذا؟ قال: «اليمين الغموس» قلت: وما اليمين الغموس؟ قال: «الذي يقتطع مال امرئ مسلم، هو فيها كاذب».
وكذلك اعتداؤك على حساب الغير وتغيير كلمة السر: إثم وعدوان محرم شرعا، وكونك (غيرت كلمة السر له من باب تشجيعه على التجديد والعمل, وليس هناك أي فائدة مالية أو مرجوة من الحساب ولا أمور خاصة) كل ذلك لا يمحو عنك حوبة اليمين الغموس، والاعتداء على حساب الآخرين.
والغضب والعصبية لا تمنع انعقاد اليمين، ما دام عقل الحالف باقيا، وكان يعي ما يقول، قال ابن رجب: ما يقع من الغضبان من طلاق وعتاق، أو يمين، فإنه يؤاخذ بذلك كله بغير خلاف، وفي "مسند الإمام أحمد" عن خويلة بنت ثعلبة امرأة أوس بن الصامت أنها راجعت زوجها، فغضب، فظاهر منها، وكان شيخا كبيرا قد ساء خلقه وضجر، وأنها جاءت إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فجعلت تشكو إليه ما تلقى من سوء خلقه، فأنزل الله آية الظهار، وأمره رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بكفارة الظهار في قصة طويلة، وخرجها ابن أبي حاتم من وجه آخر، عن أبي العالية: أن خويلة غضب زوجها فظاهر منها، فأتت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأخبرته بذلك، وقالت: إنه لم يرد الطلاق، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (ما أراك إلا حرمت عليه)، وذكر القصة بطولها، وفي آخرها، قال: فحول الله الطلاق، فجعله ظهارا، فهذا الرجل ظاهر في حال غضبه، وكان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يرى حينئذ أن الظهار طلاق، وقد قال: إنها حرمت عليه بذلك، يعني: لزمه الطلاق، فلما جعله الله ظهارا مكفرا ألزمه بالكفارة، ولم يلغه، وروى مجاهد عن ابن عباس: أن رجلا قال له: إني طلقت امرأتي ثلاثا وأنا غضبان، فقال: إن ابن عباس لا يستطيع أن يحل لك ما حرم الله عليك، عصيت ربك وحرمت عليك امرأتك، خرجه الجوزجاني والدارقطني بإسناد على شرط مسلم. وخرج القاضي إسماعيل بن إسحاق في كتاب "أحكام القرآن" بإسناد صحيح عن عائشة قالت: اللغو في الأيمان ما كان في المراء والهزل والمزاحة، والحديث الذي لا يعقد عليه القلب، وأيمان الكفارة على كل يمين حلفت عليها على جد من الأمر في غضب أو غيره: لتفعلن أو لتتركن، فذلك عقد الأيمان فيها الكفارة، وكذا رواه ابن وهب عن يونس عن الزهري عن عروة عن عائشة وهذا من أصح الأسانيد، وهذا يدل على أن الحديث المروي عنها مرفوعا: (لا طلاق ولا عتاق في إغلاق) إما أنه غير صحيح، أو أن تفسيره بالغضب غير صحيح، وقد صح عن غير واحد من الصحابة أنهم أفتوا أن يمين الغضبان منعقدة وفيها الكفارة، وما روي عن ابن عباس مما يخالف ذلك فلا يصح إسناده. اهـ. من جامع العلوم والحكم.
فتجب عليك التوبة إلى الله مما اقترفت، والله عز وجل كريم تواب لا يتعاظمه ذنب أن يغفره، فهو سبحانه يغفر ذنوب التائب مهما عظمت، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}.
واليمين الغموس لا تجب فيها كفارة يمين عند جماهير العلماء، قال ابن هبيرة: ثم اختلفوا في اليمين الغموس هل لها كفارة؟ فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد في إحدى روايتيه: لا كفارة لها لأنها أعظم من أن تكفر، وقال الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى: تكفر، واليمين الغموس هي الحلف بالله على أمر ماض معتمدا الكذب فيه. اهـ. من اختلاف الأئمة العلماء.
وراجع للفائدة الفتوى رقم :58764، والفتوى رقم: 7258.
والله أعلم.