الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نسأل الله لنا ولك العافية، ولا يمكننا معرفة محتوى الورقة ما دمنا لم نطلع على ما فيها، واعلمي أنه لا حرج في الرقية الشرعية إن خشي الإنسان على نفسه أنه مصاب بالمس، فإن الرقية تجوز للمصاب وغير المصاب، ولا حرج في الأخذ بقول المجيزين لكتابة القرآن وغسله بماء ثم يشربه المصاب أو يغتسل به، لرجحان هذا القول، كما بينا في الفتوى التي ذكرت رقمها، ولكنك أخطأت في عدم تأكدك من كون المكتوب قرآناً، فإن بعض المشعوذين قد يخلط مع القرآن بعض الأشياء التي لا يُعرف معناها ولا يُؤمَن أن يكون بها شيء من المحظور، قال الشوكاني في النيل: قوله: لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شيء من الشرك المحرم ـ فيه دليل على جواز الرقى، والتطبب بما لا ضرر فيه، ولا منع من جهة الشرع، وإن كان بغير أسماء الله وكلامه, لكن إذا كان مفهومًا، لأن ما لا يفهم لا يؤمن أن يكون فيه شيء من الشرك، قوله: من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل ـ قد تمسك قوم بهذا العموم، فأجازوا كل رقية جربت منفعتها ولو لم يعقل معناها, لكن دل حديث عوف أنه يمنع ما كان من الرقى يؤدي إلى الشرك، وما لا يعقل معناه لا يؤمن من أن يؤدي إلى الشرك، فيمنع احتياطًا. اهـ.
وأما الراقي: فالأولى أن يحرص على مثاليته من حيث صلاح المعتقد والاستقامة على الطاعة والتمسك بالسنة، وإن لم يوجد، فلا حرج في استرقاء من جرب نفعه من أهل المعاصي، بل جوز الجمهور استرقاء الكافر إن تؤكد من سلامة رقيته من الشرك ولم يكن فيها ما يجهل معناه، فقد جاء في الأم للشافعي: باب ما جاء في الرقية ـ سألت الشافعي عن الرقية، فقال: لا بأس أن يرقي الرجل بكتاب الله، وما يعرف من ذكر الله، قلت: أيرقي أهل الكتاب المسلمين؟ فقال: نعم، إذا رقوا بما يعرف من كتاب الله، أو ذكر الله، فقلت: وما الحجة في ذلك؟ قال: غير حجة, فأما رواية صاحبنا وصاحبك فإن مالكًا أخبرنا عن يحيى بن سعيد، عن عمرة بنت عبد الرحمن أن أبا بكر دخل على عائشة وهي تشتكي، ويهودية ترقيها، فقال أبو بكر: ارقيها بكتاب الله، فقلت للشافعي: فإنا نكره رقية أهل الكتاب، فقال: ولم وأنتم تروون هذا عن أبي بكر، ولا أعلمكم تروون عن غيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خلافه، وقد أحل الله جل ذكره طعام أهل الكتاب، ونساءهم، وأحسب الرقية إذا رقوا بكتاب الله مثل هذا، أو أخف. اهـ.
وقال الباجي في المنتقى: قول أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ لليهودية: ارقيها بكتاب الله عز وجل، ظاهره أنه أراد التوراة، لأن اليهودية في الغالب لا تقرأ القرآن، ويحتمل ـ والله أعلم ـ أن يريد بذكر الله عز اسمه, أو رقية موافقة لما في كتاب الله تعالى، ويعلم صحة ذلك بأن تظهر رقيتها، فإن كانت موافقة لكتاب الله عز وجل، أمرها بها، لم يكن على هذا الوجه، ففي المستخرجة عن مالك: لا أحب رقى أهل الكتاب، وكرهه، وذلك ـ والله أعلم ـ إذا لم تكن رقيتهم موافقة لما في كتاب الله تعالى، وإنما كانت من جنس السحر، وما فيه كفر مناف للشرع. والله أعلم. اهـ.
وجاء في الموسوعة الفقهية: اختلف الفقهاء في جواز رقية الكافر للمسلم, فذهب الحنفيّة والإمام الشّافعيّ، وهو رواية عن مالك إلى: جواز رقية اليهوديّ والنّصرانيّ للمسلم إذا رقى بكتاب اللّه وبذكر اللّه، لما روي في موطّأ مالك: أنّ أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ دخل على عائشة رضي الله تعالى عنها وهي تشتكي، ويهوديّة ترقيها، فقال أبو بكر: ارقيها بكتاب اللّه.
قال الباجيّ: يحتمل واللّه أعلم ـ أن يريد بقوله: بكتاب اللّه, أي: بذكر اللّه عزّ وجلّ, أو رقية موافقة لما في كتاب اللّه ويعلم صحّة ذلك بأن تظهر رقيتها، فإن كانت موافقة لكتاب اللّه أمر بها, وفي رواية أخرى عن مالك أنّه قال: أكره رقى أهل الكتاب، ولا أحبّه، لأنّنا لا نعلم هل يرقون بكتاب اللّه، أو بالمكروه الّذي يضاهي السّحر. اهـ.
والله أعلم.