الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن عثمان -رضي الله عنه- هو أحد الشهيدين في الحديث؛ قال القسطلاني في إرشاد الساري: (وشهيدان) عمر وعثمان. قال ابن المنير: قيل: الحكمة في ذلك: أنه لما أرجف أراد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يبين أن هذه الرجفة ليست من جنس رجفة الجبل بقوم موسى -عليه السلام- لما حرفوا الكلم، وأن تلك رجفة الغضب، وهذه هزة الطرب، ولهذا نص على مقام النبوّة والصديقية والشهادة التي توجب سرور ما اتصلت به لا رجفانه، فأقر الجبل بذلك، فاستقر. انتهى.
وتغيب عثمان -رضي الله عنه- للسبب الذي ذكرت كان عن بدر، وليس عن أحد؛ فقد جاء في صحيح البخاري عن ابن عمر: ... وأما تغيبه عن بدر: فإنه كانت تحته بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكانت مريضة، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن لك أجر رجل ممن شهد بدرًا وسهمه".
وأما أحد: فقد شهدها -رضي الله عنه- كما هو معلوم، وعليه؛ فلا يبقى لاستشكالك محل، فربما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك الحديث في غزوة أحد، وقد يكون قاله في غيرها؛ فإن جبل أحد -كما في المعالم الأثيرة في السنة والسيرة للأستاذ/ شُراب -رحمه الله-: جبل مشهور شمال المدينة.. وعنده الغزوة المشهورة. انتهى.
فالجبل داخل المدينة، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يمر عليه؛ ففي الصحيحين عن عقبة بن عامر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج يومًا فصلى على أهل أحد صلاته على الميت، ثم انصرف إلى المنبر، فقال: "إني فرط لكم، وأنا شهيد عليكم، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن، وإني قد أعطيت مفاتيح خزائن الأرض، أو مفاتيح الأرض، وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكن أخاف عليكم أن تتنافسوا فيها".
وفيهما -أيضًا- عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب بن حنطب أنه سمع أنس بن مالك -رضي الله عنه- يقول: خرجت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى خيبر أخدمه، فلما قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- راجعا وبدا له أحد، قال: "هذا جبل يحبنا ونحبه..".
والله أعلم.