الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما نقلته من كلام طويل في نقد تعريف الخبر من أنه ما احتمل النفي والإثبات لذاته، وما أورد عليه من لوازم عند من أوردها، لا يسلم بها، وليس في هذا التعريف سوء أدب مع كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا فيه جرأة على كلام الله، وهذه اللوازم التي أوردت على تعريف الخبر، ترد كذلك على كلام للشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ الذي اختار من نقلت عنه قوله في تعريف الخبر، فقد قال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ في الأصول من علم الأصول: ينقسم الكلام باعتبار إمكان وصفه بالصدق وعدمه إلى قسمين: خبر وإنشاء.
فالخبر: ما يمكن أن يوصف بالصدق أو الكذب لذاته.
فخرج بقولنا: "ما يمكن أن يوصف بالصدق والكذب" ؛ الإنشاء؛ لأنه لا يمكن فيه ذلك، فإن مدلوله ليس مخبراً عنه حتى يمكن أن يقال: إنه صدق أو كذب.
وخرج بقولنا: "لذاته" ؛ الخبر الذي لا يحتمل الصدق، أو لا يحتمل الكذب باعتبار المخبر به، وذلك أن الخبر من حيث المخبر به ثلاثة أقسام:
الأول: ما لا يمكن وصفه بالكذب؛ كخبر الله ورسوله الثابت عنه.
الثاني: ما لا يمكن وصفه بالصدق؛ كالخبر عن المستحيل شرعاً أو عقلاً، فالأول: كخبر مدعي الرسالة بعد النبي صلّى الله عليه وسلّم، والثاني: كالخبر عن اجتماع النقيضين كالحركة والسكون في عين واحدة في زمن واحد.
الثالث: ما يمكن أن يوصف بالصدق والكذب إما على السواء، أو مع رجحان أحدهما، كإخبار شخص عن قدوم غائب ونحوه. انتهى.
وكذلك هذا التعريف للخبر قد رجحه ابن القيم ـ رحمه الله ـ في بدائع الفوائد حيث قال: اختلف أبو المعالي وابن الباقلاني في قولهم في حد الخبر إنه الذي يحتمل التصديق والتكذيب فقال أبو المعالي يتعين أن يقال يحتمل الصدق أو الكذب لأنهما ضدان فلا يقبل إلا أحدهما وقال القاضي: "بل يقال يحتمل الصدق والكذب" وقوله أرجح إذ التنافي إنما هو بين المقبولين لا بين القبولين ولا يلزم من تنافي المقبولات تنافي القبولات، ولهذا يقال الممكن يقبل الوجود والعدم وهما متناقضان والقبولان يجب اجتماعهما له لذاته لأنه لو وجد أحد القبولين دون الآخر لم يكن ممكنا فإنه لو لم يقبل الوجود كان مستحيلا ولو لم يقبل العدم كان واجبا فلا يتصور الإمكان إلا باجتماع القبولين وإن تنافى المقبولان وكذلك نقول الجسم يقبل الأضداد فقبولاتها مجتمعة والمقبولات متنافية. انتهى.
وأما عن سؤالك فنقول: إن من أقر بالطلاق كاذبا لا يخرج إقراره عن كونه إخبارا، والإخبار يحتمل الصدق والكذب، فيؤاخذ عليه صاحبه ظاهرا، أما بينه وبين الله فالمخبر عنه كذبا لا يصير بالإخبار عنه صدقا، فلهذا لا يقع طلاقه باطنا، قال في تحفة المحتاج وشرح المنهاج: (وَلَوْ قِيلَ لَهُ اسْتِخْبَارًا أَطَلَّقْتهَا) أَيْ زَوْجَتَك (فَقَالَ نَعَمْ) أَوْ مُرَادِفَهَا كَجَيْرِ وَأَجَلْ وَإِي بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَيَظْهَرُ أَنَّ بَلَى هُنَا كَذَلِكَ لِمَا مَرَّ فِي الْإِقْرَارِ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا لُغَوِيٌّ لَا شَرْعِيٌّ (فَإِقْرَارٌ بِهِ)؛ لِأَنَّهُ صَرِيحُ إقْرَارٍ فَإِنْ كَذَبَ فَهِيَ زَوْجَتُهُ بَاطِنًا. انتهى.
وللفائدة يرجى مراجعة هاتين الفتويين التالية أرقامهما: 23014، 52839.
ولا يفوتنا هنا أن ننبه الأخ السائل أنه لا ينبغي عند الكتابة الاقتصار في الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم على حرف (ص) كما سبق توضيحه في الفتوى رقم : 7334.
والله أعلم.