الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففتنة المسلم عن دينه جرم محرم وإثم عظيم، وتشتد الحرمة والإثم بحسب نوع الفتنة وأثرها، حتى تكون أشد من القتل وأكبر منه؛ إذا تسببت في الكفر والشرك بالله تعالى، كما قال سبحانه: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: 191]، وقال: {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: 217]. قال ابن كثير: أي: قد كانوا يفتنون المسلم في دينه، حتى يردوه إلى الكفر بعد إيمانه! فذلك أكبر عند الله من القتل. اهـ.
ثم التوبة معروضة بعد ذلك لكل من ندم وأناب إلى الله تعالى؛ قال عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البروج: 10]. قال ابن عطية في (المحرر الوجيز): {فَتَنُوا} معناه: أحرقوا، وفتنت الذهب والفضة في النار أحرقتهما، والفتين حجارة الحرة السود لأن الشمس كأنها أحرقتها، ومن قال إن هذه الآيات الأواخر في قريش جعل الفتنة: الامتحان والتعذيب، ويقوي هذا التأويل بعض التقوية قوله تعالى: {ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا} لأن هذا اللفظ في قريش أحكم منه في أولئك الذين قد علم أنهم ماتوا على كفرهم، وأما قريش فكان فيهم وقت نزول الآية من تاب بعد ذلك وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم. اهـ.
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 122081.
والله أعلم.