الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف فيما تيسر لنا البحث فيه من المراجع على أن الطاغية فرعون كان بارا بأمه، ولا أن تأخير العذاب عنه كان بسبب بره لأمه.
وقد ذكر أهل التفسير أن العقوبة تأخرت عنه أربعين سنة بعد دعاء موسى وهارون ـ عليهما السلام ـ عليه، ووعد الله تعالى لهما بالإجابة، كما جاء في تفسير الطبري وغيره عند قول الله تعالى: قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا {يونس:89}، وقال الشوكاني في فتح القدير عند هذه الآية: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: يَزْعُمُونَ أَنَّ فِرْعَوْنَ مَكَثَ بَعْدَ هَذِهِ الدَّعْوَةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ مِثْلَهُ، وَأَخْرَجَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ نَحْوَه.
ولم يذكروا أن تأخير العقوبة عنه كان بسبب بره لأمه، وقد يكون التأخير استدراجا له من الله كما قال تعالى: وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ {الأعراف:182-183}.
وقال السعدي ـ رحمه الله ـ عند تفسير قوله تعالى: {وَأُمْلِي لَهُمْ} أي: أُمْهِلُهُم حتى يظنوا أنهم لا يؤخذون ولا يعاقبون، فيزدادون كفرا وطغيانا، وشرا إلى شرهم، وبذلك تزيد عقوبتهم، ويتضاعف عذابهم، فيضرون أنفسهم من حيث لا يشعرون، ولهذا قال: {إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} أي: قوي بليغ. اهـ
وقد يكون لغير ذلك من الحكم التي يعلمها الله تبارك وتعالى.
والله أعلم.