الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الكلام خطأ بين، ولا يجوز تعمده لمن يعقل معناه فإن القرآن الكريم يهتدي به الناس ويتبصرون ويعرفون مراد الله منهم ويهتدون به، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الناس بالقرآن وينذرهم ويزكيهم به ويعلمه لهم، فقد قال الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ {الأنبياء:45}، وقال: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ {الأنعام:19}، وقال الله تعالى: وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ {الأنعام:51}، وقال تعالى: فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ {ق:45}، وقال: وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا {الفرقان:52}، وقال الله تعالى: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ {آل عمران:164}، وقال الله تعالى: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ. {الشعراء: 192-195}.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم عندما يدعو قوما إلى الله تعالى يقرأ عليهم القرآن كما ثبت في الصحيحين وغيرهما، وكان أفاضل هذه الأمة وسادتها من الصحابة الكرام كفارا وثنيين، يعيشون في ظلم الضلالة فأخرجهم الله بهذا القرآن المجيد من ظلمات الجاهلية إلى نور الإيمان والتوحيد، وبصرهم بطريق الهدى ونور به قلوبهم، فقد قال تعالى: قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ {المائدة:16}، وقال تعالى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا {الشورى:52}، .
وقد يعاقب الله بعض الكفار فيحرمهم الاهتداء بالقرآن بسبب كفرهم وضلالهم كما قال الله تعالى: وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ {فصلت:44}.
قال ابن كثير: أي يذهب ما في القلب من أمراض من شك ونفاق وشرك وزيغ وميل، فالقرآن يشفي من ذلك كله، وهو أيضا رحمة يحصل فيها الإيمان والحكمة وطلب الخير والرغبة فيه، وليس هذا إلا لمن آمن به وصدقه واتبعه فإنه يكون شفاء في حقه ورحمة، وأما الكافر الظالم نفسه بذلك، فلا يزيد سماعه القرآن إلا بعدا وكفرا، والآفة من الكافر لا من القرآن، كقوله تعالى: قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد {فصلت: 44}. اهـ.
وان كان مراد السائل العمى الحسي فلا نعلم ما يدل على صحة ذلك.
هذا، وليعلم أن القرآن كلام فعلا، ولكنه كلام الله تعالى، كما يدل له قوله سبحانه وتعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ {التوبة:6}.
وعن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على الناس في الموقف فقال: ألا رجل يحملني إلى قومه فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي. رواه أبو داود وصححه الألباني.
فيصح أن يطلق على القرآن أنه كلام، ولكن لا يجوز أن يكون ذلك على سبيل التنقيص باعتباره مثل أي كلام، فهو أفضل الكلام على الإطلاق كما في الحديث: فضل كلام الله سبحانه وتعالى على سائر الكلام، كفضل الله على خلقه. رواه الترمذي, وقال: حديث حسن.
والله أعلم.