الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننبهك ـ ابتداء ـ إلى أن كثرة الحلف أمر مذموم شرعاً، فقد قال الله تعالى: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ {المائدة:89}، وقال سبحانه: وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {البقرة:224}.
فينبغي أن تتجنب كثرة الحلف مستقبلا.
وأما بخصوص الأيمان الواردة في السؤال فالجواب فيها على النحو التالي:
1ـ حلفك بأنك لن تدع أربع ركعات قبل الظهر وبعده يعتبر يمينا منعقدة، فلو تركت ما حلفت عليه لزمتك الكفارة، ولا يلزمك إعادة الكفارة بتكرار الحنث؛ لأن الأصل أن اليمين تنحل بأول حنث فيها، إلا إذا كانت صيغة يمينك تقتضي التكرار أو نويت التكرار، أو اقتضاه العرف، قال ابن الحاجب في (جامع الأمهات): لا يتكرر الحنث بتكرر الفعل ما لم يكن لفظ يدل عليه مثل (كلما) و(مهما)... أو قصد إليه، أو كان المقصد العرفي. انتهى. وانظر ـ لتفصيل ذلك ـ الفتوى رقم: 136912، والفتوى رقم: 174597.
2ـ حلفك على أن تدفع الحساب عن أصحابك ولم تفعل، إن كان بدون عقد نية، أو كان سبق لسان فإن هذا من لغو اليمين الذي لا مؤاخذة فيه ولا كفارة، قال الله تعالى: لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ {البقرة:225}.
أما إن كان حلفك بقصد وعقد نية؛ فإن كان القصد من اليمين الإكرام دون إلزامهم ففي وجوب الكفارة خلاف، والراجح ـ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى ـ عدم وجوب الكفارة؛ لأن القصد الإكرام وقد حصل، وهو من باب التخصيص بالنية، وإن كان قصدك إلزامهم ولم يستجيبوا فإنك تحنث وتجب عليك كفارة اليمين، كما قال ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في المغني: فإن قال: والله ليفعلن فلان كذا، أو لا يفعل، أو حلف على حاضر، فقال: والله لتفعلن كذا فأحنثه، ولم يفعل، فالكفارة على الحالف، كذا قال ابن عمر، وأهل المدينة وعطاء، وقتادة والأوزاعي وأهل العراق والشافعي، لأن الحالف هو الحانث، فكانت الكفارة عليه. انتهى.
ومن أهل العلم من فصل بين أن يكون الحالف يظن أن المحلوف عليه سيطيعه، وبين من لا يظن ذلك، فيحنث في الثاني دون الأول، جاء في الموسوعة الفقهية: ...وقد فصل شيخ الإسلام ابن تيمية بين الحلف على من يظن أنه يطيعه، والحلف على من لا يظنه كذلك، فقال: من حلف على غيره يظن أنه يطيعه فلم يفعل، فلا كفارة، لأنه لغو، بخلاف من حلف على غيره في غير هذه الحالة، فإنه إذا لم يطعه حنث الحالف ووجبت الكفارة عليه. انتهى. وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 44587، 114705، 262675.
3ـ أما اليمين الثالثة فلا كفارة فيها؛ لأن قولك: (ولم تكن في حسباني عندما حلفت) يحتمل أنك لم تذكر المائتين عندما حلفت فهذه يمين لغو ولا شيء فيها.
ولو فرض استحضارها، فهي يمين كاذبة تجب فيها التوبة، ولا تلزم الكفارة على الراجح.
وكفارة اليمين مبينة في الفتوى رقم: 2053، ولا ينتقل للصيام إلا عند العجز عن الثلاثة التي قبله.
والله أعلم.