الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب في أن تأييد الظالمين ومناصرتهم والرضا بظلمهم من الموبقات، والنصوص في هذا المعنى كثيرة، منها قوله تعالى: وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ {هود:113}.
قال القرطبي: قوله تعالى: (ولا تركنوا) الركون حقيقة الاستناد والاعتماد والسكون إلى الشيء والرضا به، قال قتادة: معناه لا تودوهم ولا تطيعوهم، ابن جريج: لا تميلوا إليهم، أبو العالية: لا ترضوا أعمالهم، وكله متقارب، وقال ابن زيد: الركون هنا الإدهان وذلك ألا ينكر عليهم كفرهم، قوله تعالى: (إلى الذين ظلموا) قيل: أهل الشرك، وقيل: عامة فيهم وفي العصاة، وهذا هو الصحيح في معنى الآية.اهـ. باختصار .
وأما الدعاء على من يؤيد الظالمين ويناصرهم: فإن كان دعاء على وجه العموم دون الدعاء على الأعيان فلا حرج فيه عند عامة العلماء، قال النووي في الأذكار: اعلم أن لعن المسلم المصون حرام بإجماع المسلمين، ويجوز لعن أصحاب الأوصاف المذمومة كقولك: لعن الله الظالمين، لعن الله الكافرين، لعن الله اليهود والنصارى، ولعن الله الفاسقين، لعن الله المصورين .اهـ.
وأما الدعاء على المعينين ممن يؤيد الظالمين ويناصرهم فالأمر فيه مختلف، فقد يكون منهم من هو جاهل أو متأول أو مقلد لبعض المنحرفين المنتسبين للعلم، ولا يدرك حقيقة الأمر، وكونه ظلما وعدوانا: فمثل هذا قد يكون معذورا شرعا، وحينئذ فلا يستحق الدعاء عليه، لا سيما وأنت قد وصفت الخطب بأنه (الناس منقسمون بين من يؤيدها ومن يعارضها لغياب الحق وعدم القدرة على بيانه) وهذا يؤكد التباس الأمر، وخفاء وجه الصواب فيه، وهذا يوسع دائرة العذر، وعدم تصنيف الناس ومعاملتهم على حسب موقفهم من أولئك الظالمين بإطلاق.
وأما من استبان له ظلم الظالمين وعدوانهم ولم يكن جاهلا أو متأولا فرضي بظلمهم وأيدهم عليه: فهو مؤاخذ شرعا، ومستحق للوعيد، فالدعاء على مثل هذا يأخذ حكم الدعاء على المعينين من الفساق وأصحاب المعاصي، وهذا قد أجازه بعض العلماء ومنعه آخرون، جاء في فتح الباري لابن حجر: قال النووي في الأذكار: وأما الدعاء على إنسان بعينه ممن اتصف بشيء من المعاصي فظاهر الحديث أنه لا يحرم، وأشار الغزالي إلى تحريمه وقال في باب الدعاء على الظلمة بعد أن أورد أحاديث صحيحة في الجواز قال الغزالي: وفي معنى اللعن الدعاء على الإنسان بالسوء حتى على الظالم مثل لا أصح الله جسمه وكل ذلك مذموم. انتهى وأما الأحاديث فتدل على الجواز كما ذكره النووي في قوله صلى الله عليه وسلم للذي قال كل بيمينك فقال لا أستطيع فقال لا استطعت. فيه دليل على جواز الدعاء على من خالف الحكم الشرعي .اهـ. باختصار. وانظري في هذا الفتوى رقم: 226480.
ومن كان من أولئك مشاركا في الظلم بإعانة ونحوها فمشروعية الدعاء عليه بعينه أظهر؛ لأنه حينئذ يعد ظالما للخلق، ومنتهكا لحقوق العباد، والدعاء على الظالم قد وردت النصوص بجوازه، وراجعي في تفصيل ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 118283، 107843، 221458، 259729.
ومن جُهل كونه مستحقا للدعاء عليه للشك في كونه ظالما أو راضيا بالظلم مع علمه بكونه ظلما: فلا يدعى عليه بعينه، ولكن يمكن أن يدعو المرء دعاء معلقا بالشرط، فيقول: إن كان فلان ظالما أو إن كان فلان راضيا بالظلم فعامله بما يستحق ونحو ذلك من الدعوات، قال ابن عثيمين: أحياناً يتهم الإنسان شخصاً بأنه أساء إليه، فهل له أن يدعو الله عز وجل على هذا المتهم أم يقيد الدعاء فيقول: اللهم إن كان فلان ظلمني أو أساء إلي في كذا ويذكر دعوته؟ الجواب: الثاني، يعني: أحياناً يتهم القريب مثلاً بأنه أصاب شخص بعين أو أصاب شخصاً بسحر؛ لكن لا يستطيع الإنسان أن يتكلم؛ لأنه لا يملك بينة ولا عنده دليل، إلا أن القرائن القوية تدل على أن هذا أساء، فهنا رب العالمين يعلم سبحانه وتعالى، فقل: اللهم إن كان فلان هو الذي أصابني وتدعو بما ترى أنك تكافئه، ولكن لو صبر الإنسان واحتسب ووكل الأمر إلى الله لكان خيراً... اهـ.
والأكمل والأولى في هذا الباب أن يتخير المرء جوامع الدعاء مما ينتفع به الصالحون وينقمع به المفسدون، ومن ذلك دعاء عمر بن عبد العزيز، حيث كان يقول: اللهم أصلح من كان في صلاحه صلاح لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم أهلك من كان في هلاكه صلاح لأمة محمد صلى الله عليه وسلم. رواه أبو نعيم في حلية الأولياء.
والله أعلم.