الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب على المسلم والمسلمة النهي عن المنكر، كما بينا في الفتوى رقم: 203755.
وهذا الواجب لا يسقط باحتمال حصول أذى، إلا إذا غلب على ظنك ذلك، وانظري للفائدة الفتوى رقم: 239167.
ودونك هذه النصيحة الغالية للحافظ ابن رجب، فقد قال رحمه الله: واعلم أنَّ الأمرَ بالمعروف والنَّهيَ عن المنكرِ تارةً يحمِلُ عليه رجاءُ ثوابه، وتارةً خوفُ العقابِ في تركه، وتارةً الغضب لله على انتهاك محارمه، وتارةً النصيحةُ للمؤمنين والرَّحمةُ لهم، ورجاء إنقاذهم ممَّا أوقعوا أنفسهم فيه من التعرُّض لغضب الله وعقوبته في الدُّنيا والآخرة، وتارةً يحملُ عليه إجلالُ الله وإعظامُه ومحبَّتُه، وأنَّه أهلٌ أنْ يُطاعَ فلا يُعصى، ويُذكَرَ فلا يُنسى، ويُشكر فلا يُكفر، وأنْ يُفتدى من انتهاك محارمه بالنفوس والأموال، كما قال بعضُ السَّلف: وددت أنَّ الخلقَ كلَّهم أطاعوا الله، وإنَّ لحمي قُرِض بالمقاريض، وكان عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز ـ رحمهما الله ـ يقول لأبيه: وددتُ أنِّي غلت بيَ وبكَ القدورُ في الله عز وجل، ومن لَحَظَ هذا المقامَ والذي قبله، هان عليه كلُّ ما يلقى من الأذى في الله تعالى، وربما دعا لمن آذاه، كما قال ذلك النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لمّا ضربه قومُه فجعل يمسَحُ الدَّمَ عن وجهه، ويقول: ربّ اغفر لقومي فإنَّهم لا يعلمون ـ متفق عليه، وبكلِّ حالٍ يتعين الرفقُ في الإنكار، قال سفيان الثوري: لا يأمرُ بالمعروف ويَنهى عن المنكرِ إلاّ من كان فيه خصالٌ ثلاثٌ: رفيقٌ بما يأمرُ، رفيقٌ بما ينهى، عدلٌ بما يأمر، عدلٌ بما ينهى، عالمٌ بما يأمر، عالم بما ينهى ـ وقال أحمد: النّاسُ محتاجون إلى مداراة ورفق الأمر بالمعروف بلا غِلظةٍ، إلا رجل معلن بالفسق، فلا حُرمَةَ له، قال: وكان أصحابُ ابن مسعود إذا مرُّوا بقومٍ يرون منهم ما يكرهونَ، يقولون: مهلاً رحمكم الله، مهلاً رحمكم الله، وقال أحمد: يأمر بالرِّفقِ والخضوع، فإن أسمعوه ما يكره، لا يغضب، فيكون يريدُ ينتصرُ لنفسه. انتهى.
والله أعلم.