الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يعرف في الإسلام علاقة زمالة أو صداقة أو أخوة بين الرجال والنساء الأجانب، وإنما ذلك دخيل علينا من عادات الكفار وثقافات الانحلال، كما أن الاختلاط بين الشباب والفتيات في الدراسة أمر غير جائز، وهو باب شر وفساد كبير، فلا تجوز الدراسة المختلطة إلا لضرورة أو حاجة شديدة، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 2523، والفتوى رقم: 56103.
وإذا جازت لك الدراسة فيجب عليك الالتزام بضوابط خروج المرأة، ومن ذلك الحجاب الشرعي الساتر، وعدم الاختلاط بالرجال الأجانب، وعدم الكلام معهم إلا للحاجة وفي حدود الأدب، وراجعي الفتوى رقم: 3859.
وعليه؛ فلا يجوز لك الكلام مع هذا الشاب إلا للحاجة إذا أمنت الفتنة، وما حصل منك من الإساءة إليه، فإن كنت البادئة فعليك الإثم ما لم يعتَدِ هو فيزيد في إساءته لك، ففي الحديث: المستبان ما قالا فعلى البادئ منهما ما لم يعتد المظلوم. رواه مسلم. قال النووي ـ رحمه الله ـ في شرح مسلم: مَعْنَاهُ أَنَّ إِثْم السِّبَاب الْوَاقِع مِنْ اِثْنَيْنِ مُخْتَصّ بِالْبَادِئِ مِنْهُمَا كُلّه إِلَّا أَنْ يَتَجَاوَز الثَّانِي قَدْر الِانْتِصَار، فَيَقُول لِلْبَادِئِ أَكْثَر مِمَّا قَالَ لَهُ، وَفِي هَذَا جَوَاز الِانْتِصَار، وَلَا خِلَاف فِي جَوَازه، وَقَدْ تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ دَلَائِل الْكِتَاب وَالسُّنَّة، قَالَ اللَّه تَعَالَى: {وَلَمَنْ اِنْتَصَرَ بَعْد ظُلْمه فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيل} وَقَالَ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمْ الْبَغْي هُمْ يَنْتَصِرُونَ} وَمَعَ هَذَا فَالصَّبْر وَالْعَفْو أَفْضَل، قَالَ اللَّه تَعَالَى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْم الْأُمُور} وَلِلْحَدِيثِ الْمَذْكُور بَعْد هَذَا: "مَا زَادَ اللَّه عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا" وَاعْلَمْي أَنَّ سِبَاب الْمُسْلِم بِغَيْرِ حَقٍّ حَرَام كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " سِبَاب الْمُسْلِم فُسُوق" وَلَا يَجُوز لِلْمَسْبُوبِ أَنْ يَنْتَصِر إِلَّا بِمِثْلِ مَا سَبَّهُ مَا لَمْ يَكُنْ كَذِبًا أَوْ قَذْفًا أَوْ سَبًّا لِأَسْلَافِهِ، فَمِنْ صُوَر الْمُبَاح أَنْ يَنْتَصِر بِيَا ظَالِم يَا أَحْمَق، أَوْ جَافِي، أَوْ نَحْو ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكَاد أَحَد يَنْفَكّ مِنْ هَذِهِ الْأَوْصَاف، قَالُوا: وَإِذَا اِنْتَصَرَ الْمَسْبُوب اِسْتَوْفَى ظُلَامَته، وَبَرِئَ الْأَوَّل مِنْ حَقِّهِ، وَبَقِيَ عَلَيْهِ إِثْم الِابْتِدَاء، أَوْ الْإِثْم الْمُسْتَحَقّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَقِيلَ: يَرْتَفِع عَنْهُ جَمِيع الْإِثْم بِالِانْتِصَارِ مِنْهُ، وَيَكُون مَعْنَى عَلَى الْبَادِئ أَيْ عَلَيْهِ اللَّوْم وَالذَّمّ لَا الْإِثْم. انتهى.
وعليه؛ فإن كنت أنت المسيئة، ولم يستوف حقه منك، فاطلبي منه المسامحة والعفو، ويمكنك أن ترسلي له اعتذارك مباشرة إذا أمنت الفتنة أو بواسطة.
وأما الحديث الذي ذكرته فلا يشملك إذا لم يكن في قلبك عليه شحناء وبغضاء، فقد قال في مرقاة المفاتيح عند شرح هذا الحديث: (حَتَّى يَصْطَلِحَا) أَيْ: يَتَصَالَحَا، وَيَزُولَ عَنْهُمَا الشَّحْنَاءُ فَلَا يُفِيدُ التَّصَالُحَ لِلسُّمْعَةِ وَالرِّيَاءِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَغْفِرَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى صَفَائِهِ، وَزَوَالِ عَدَاوَتِهِ سَوَاءٌ صَفَا صَاحِبُهُ أَمْ لَا. انتهى.
والله أعلم.