الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نشكرك على المتابعة معنا -بارك الله فيك- ونفيدك أن تفسير القرآن وأحكام الشرع لا تتغير بحسب العصور، ولئن كان الزواج بالكبيرة البالغة أفضل لحاجتها وصلاحيتها للإنجاب فهذا لا يمنع زواج الصغيرة ما لم يثبت نص شرعي يفيد التحريم، ثم إن السرخسي -رحمه الله تعالى- يرى مشروعية تزويج الصغيرة، وما اقتضبه السائل من المبسوط ليس هو رأي السرخسي، بل هو جملة من كلام عزاه السرخسي لابن شبرمة والأصم، ثم أطال في بيان بطلانه محتجًّا بآية الطلاق وبعمل السلف، ومبينًا بعض فوائد زواج الصغيرات، فقال -رحمه الله- في المبسوط: وبلغنا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه تزوج عائشة -رضي الله عنها- وهي صغيرة بنت ست سنين وبنى بها وهي بنت تسع سنين, وكانت عنده تسعًا. ففي الحديث دليل على جواز نكاح الصغير والصغيرة بتزويج الآباء بخلاف ما يقوله ابن شبرمة وأبو بكر الأصم -رحمهم الله تعالى- أنه لا يزوج الصغير والصغيرة حتى يبلغا؛ لقوله: {حتى إذا بلغوا النكاح}، فلو جاز التزويج قبل البلوغ لم يكن لهذا فائدة, ولأن ثبوت الولاية على الصغيرة لحاجة المولى عليه حتى إن فيما لا تتحقق فيه الحاجة لا تثبت الولاية كالتبرعات, ولا حاجة بهما إلى النكاح; لأن مقصود النكاح طبعًا هو قضاء الشهوة، وشرعًا النسل، والصغر ينافيهما, ثم هذا العقد يعقد للعمر وتلزمهما أحكامه بعد البلوغ فلا يكون لأحد أن يلزمهما ذلك؛ إذ لا ولاية لأحد عليهما بعد البلوغ, وحجتنا قوله تعالى: {واللائي لم يحضن} بين الله تعالى عدة الصغيرة, وسبب العدة شرعًا هو النكاح, وذلك دليل تصور نكاح الصغيرة والمراد بقوله تعالى: {حتى إذا بلغوا النكاح} الاحتلام, ثم حديث عائشة -رضي الله عنها- نص فيه, وكذلك سائر ما ذكرنا من الآثار، فإن قدامة بن مظعون تزوج بنت الزبير -رضي الله عنه- يوم ولدت, وقال: إن مت فهي خير ورثتي, وإن عشت فهي بنت الزبير, وزوج ابن عمر -رضي الله عنه- بنتًا له صغيرة من عروة بن الزبير -رضي الله عنه- وزوج عروة بن الزبير -رضي الله عنه- بنت أخيه ابن أخته وهما صغيران، ووهب رجل ابنته الصغيرة من عبد الله بن الحسن، فأجاز ذلك علي -رضي الله عنه- وزوجت امرأة ابن مسعود -رضي الله عنه- بنتًا لها صغيرة ابنا للمسيب بن نخبة، فأجاز ذلك عبد الله -رضي الله عنه-, ولكن أبو بكر الأصم -رحمه الله تعالى- كان أصم لم يسمع هذه الأحاديث، والمعنى فيه أن النكاح من جملة المصالح وضعًا في حق الذكور والإناث جميعًا, وهو يشتمل على أغراض ومقاصد لا يتوفر ذلك إلا بين الأكفاء. والكفء لا يتفق في كل وقت فكانت الحاجة ماسة إلى إثبات الولاية للولي في صغرها, ولأنه لو انتظر بلوغها لفات ذلك الكفء, ولا يوجد مثله ولما كان هذا العقد يعقد للعمر تتحقق الحاجة إلى ما هو من مقاصد هذا العقد فتجعل تلك الحاجة كالمتحققة للحال لإثبات الولاية للولي ... اهـ.
ويمكنك أن تراسلنا مرة أخرى لنقاش بقية المسائل.
والله أعلم.