الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمعتمد في مذهب الحنابلة بطلان الزواج إذا تقدم القبول على الإيجاب، وحكى بعضهم رواية أخرى بصحته إذا كان بلفظ الأمر أو الماضي؛ قال المرداوي -رحمه الله-: "وإن تقدم القبول الإيجاب: لم يصح. هذا المذهب. نص عليه، وجزم به في الوجيز، والبلغة، والمنور، والمحرر، وقال: رواية واحدة. وقدمه في الفروع، والرعايتين، والحاوي الصغير، وغيرهم. وهو من مفردات المذهب. وذكر ابن عقيل، وجماعة: رواية بالصحة؛ منهم: صاحب الفائق، إذا تقدم بلفظ الماضي أو الأمر" الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (8/ 50).
وحجة الحنابلة في اشتراط تأخر القبول عن الإيجاب: أنّ القبول إنما يكون للإيجاب فلا بد أن يتأخر عنه؛ قال ابن قدامة صاحب الشرح الكبير على متن المقنع: "ولنا: أن القبول إنما يكون للإيجاب؛ فمتى وجد قبله لم يكن قبولًا لعدم معناه فلم يصح، كما لو تقدم بلفظ الاستفهام، ولأنه لو تأخر عن الإيجاب بلفظ الطلب لم يصح، فإذا تقدم كان أولى لصيغة الاستفهام، ولأنه لو أتى بالصيغة المشروعة متقدمة فقال: قبلت هذا النكاح. فقال الولي: زوجتك ابنتي. لم يصح؛ فلأن لا يصح إذا أتى بغيرها أولى. فإن قالوا: يصح كالبيع والخلع. قلنا: البيع لا يشترط فيه صيغة الإيجاب، بل يصح بالمعاطاة ولا يتعين فيه لفظ، بل يصح بأي لفظ كان إذا أدى المعنى، ولا يلزم الخلع؛ لأنه يصح تعليقه على الشروط، ويحتمل أن يصح إذا تقدم بلفظ الطلب؛ لأن في حديث المرأة التي وهبت نفسها للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقامت طويلًا، فقال رجل: يا رسول الله، زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "زوجتكها بما معك من القرآن" وهو حديث صحيح رواه البخاري. ولم ينقل أنه قال قبلت، ولا ما يؤدي معناه. والظاهر: أنه لو وجد منه لفظ لنقل، وعلى قياس ذلك إذا تقدم بلفظ الماضي".
والله أعلم.