الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس الموضوع تافها بل هو شديد الأهمية، وقد أصابت الأخت السائلة في استنكارها لقول من قالت: (صوت أجراس الكنائس يبهجني)!! كما أجادت في قولها: (المفترض أن صوت الأذان هو الذي يبهجك، وليس صوت أجراس الكنائس).
وقد أخطأ من هاجم هذا التوجُّه المشكور من السائلة، فإنه من النصيحة في الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فإن أجراس الكنائس من أخص خصائص النصرانية المحرفة، وهي من شعار دينهم الباطل الذي يقوم على الكفر بالله العظيم، والشرك برب العالمين! وليس من شأن المسلم أن يبتهج بمثل ذلك، بل يبغضه في الله تعالى ولا يرتضيه، ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرض به صوتا لجمع المسلمين للصلاة، ووصفه بأنه من أمر النصارى، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما اهتم للصلاة كيف يجمع الناس لها، فذكر له الناقوس فقال: هو من أمر النصارى. فانصرف عبد الله بن زيد بن عبد ربه وهو مهتم لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأري الأذان في منامه، فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال له: يا رسول الله إني لبين نائم ويقظان إذ أتاني آت فأراني الأذان ... الحديث، رواه أبو داود وصححه الألباني.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (اقتضاء الصراط المستقيم): الغرض هنا: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كره بوق اليهود المنفوخ بالفم، وناقوس النصارى المضروب باليد، علل هذا بأنه من أمر اليهود، وعلل هذا بأنه من أمر النصارى؛ لأن ذكر الوصف عقيب الحكم، يدل على أنه علة له، وهذا يقتضي نهيه عن كل ما هو من أمر اليهود والنصارى، هذا مع أن قرن اليهود يقال: إن أصله مأخوذ عن موسى عليه السلام، وأنه كان يضرب بالبوق في عهده، وأما ناقوس النصارى فمبتدع، إذ عامة شرائع النصارى أحدثها أحبارهم ورهبانهم، وهذا يقتضي كراهة هذا النوع من الأصوات مطلقا في غير الصلاة أيضا؛ لأنه من أمر اليهود والنصارى، فإن النصارى يضربون بالنواقيس في أوقات متعددة غير أوقات عباداتهم، وإنما شعار الدين الحنيف: الأذان المتضمن للإعلان بذكر الله، الذي به تفتح أبواب السماء، فتهرب الشياطين، وتنزل الرحمة. اهـ.
وقال ابن القيم في (أحكام أهل الذمة): لما كان الضرب بالناقوس هو شعار الكفر وعلمه الظاهر، اشترط عليهم تركه ـ يعني شرط عمر بن الخطاب على نصارى الشام عدم إظهار صوت نواقيس الكنائس ـ ... وقال أبو الشيخ في كتاب "شروط عمر": حدثنا طاهر بن عبد الله بن محمد، حدثنا أبو زرعة قال: سمعت علي بن أبي طالب الرازي يقول: سمعت مالك بن أنس يقول: إذا نقس بالناقوس اشتد غضب الرحمن عز وجل فتنزل الملائكة فتأخذ بأقطار الأرض فلا تزال تقول: (قل هو أحد) حتى يسكن غضب الرب عز وجل ... وقد أبطل الله سبحانه بالأذان ناقوس النصارى وبوق اليهود، فإنه دعوة إلى الله سبحانه وتوحيده وعبوديته، ورفع الصوت به إعلاء لكلمة الإسلام وإظهارا لدعوة الحق وإخمادا لدعوة الكفر، فعوض عباده المؤمنين بالأذان عن الناقوس والطنبور، كما عوضهم دعاء الاستخارة عن الاستقسام بالأزلام... اهـ. وراجعي للفائدة الفتوى رقم: 180943.
والله أعلم.