الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يمكن لأحد جاء بعد الصحابة أن يصل إلى فضلهم أو فضل أحدهم، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في المنهاج: وذلك أن الإيمان الذي كان في قلوبهم حين الإنفاق في أول الإسلام وقلة أهله وكثرة الصوارف عنه وضعف الدواعي إليه لا يمكن أحدا أن يحصل له مثله ممن بعدهم، وهذا يعرف بعضه من ذاق الأمور وعرف المحن والابتلاء الذي يحصل للناس وما يحصل للقلوب من الأحوال المختلفة. انتهى. وراجع الفتوى رقم: 277054.
فإذا علم ذلك فدعاء الله تعالى بأن يجعل فضلك في الأمة كفضل أحد الصحابة اعتداء في الدعاء، وراجع الفتوى رقم: 23425، في ماهية الاعتداء في الدعاء.
وأما دعاؤك بالصلاة خلف النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا، وأنت تقصدين رؤيته في المنام فجائز؛ لأن الرؤية في المنام واقعة في الدنيا.
وأما دعاؤك بتيسير أمر نجاحك في الدراسة، والإلحاح في ذلك فجائز إذا كانت دراستك جائزة شرعا؛ لأن الشارع حث على الدعاء بما يحب المسلم من خيري الدنيا والآخرة، قال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ {غافر:60}، فأطلق ولم يقيد ذلك بأمر دنيوي أو أخروي، وروى ابن حبان والطبراني عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ليسأل أحدكم ربه حاجته حتى يسأله شسع نعله إذا انقطع.
ويؤجر المسلم على دعائه لله تعالى ولو دعا بأمر دنيوي؛ لأن الدعاء عبادة، فقد ثبت في الحديث الصحيح عن النعمان بن بشير ـ رضي الله عنهما ـ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ويقول: إن الدعاء هو العبادة.
ولكن ينبغي أن تعلمي أن كثيرا ما تتعلق النفس بأشياء قد لا يكون الخير فيها، فيصرفها الله برحمته وحسن تدبيره للعبد، وبعض الناس لقصر نظرهم لا يشعرون أن النعمة في المنع أحيانا تكون أعظم مما هي في العطاء، بل قد يكون هلاك الإنسان في أن يعطى وخيره في أن يمنع، ولهذا ينبغي أن يسأل الله الخير، وأن يقول كما في دعاء الاستخارة: ويسر لي الخير حيث كان، ثم أرضني به، وقد قال سبحانه: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {البقرة:216}، وقال في آية أخرى: وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا {الإسراء:11}.
يقول الرازي في تفسيره: أقول: يحتمل أن يكون المراد: أن الإنسان قد يبالغ في الدعاء طلباً لشيء يعتقد أن خيره فيه، مع أن ذلك الشيء يكون منبع شره وضرره، وهو يبالغ في طلبه لجهله بحال ذلك الشيء، وإنما يقدم على مثل هذا العمل لكونه عجولاً مغتراً بظواهر الأمور غير متفحص عن حقائقها وأسرارها. انتهى.
ويقول السعدي في تفسيره: الغالب على العبد المؤمن أنه إذا أحب أمرا من الأمور، فقيض الله له من الأسباب ما يصرفه عنه أنه خير له، فالأوفق له في ذلك أن يشكر الله، ويجعل الخير في الواقع؛ لأنه يعلم أن الله تعالى أرحم بالعبد من نفسه، وأقدر على مصلحة عبده منه، وأعلم بمصلحته منه؛ كما قال تعالى: وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ. فاللائق بكم أن تتمشوا مع أقداره، سواء سرتكم أو ساءتكم. انتهى.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة هذين الفتويين التالية أرقامهما: 32562، 30668.
والحاصل أنه لا ينبغي أن تتوقفي عن سؤال ما فيه النفع الدنيوي أو الأخروي، فلعل الله قدّر أن تكون الإجابة بعد الإلحاح، ولو قيدت الدعاء بالخير كان أولى، وقد روى ابن أبي شيبة عن عبيد بن عمير قال : إذا أراد أحدكم الحاجة فليقل " اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك، فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب ، اللهم إن كان هذا الذي أردته خيرا لي في ديني ومعيشتي وخير عاقبة فيسره لي وبارك لي فيه، وإن كان غير ذلك خيرا فقدر لي الخير حيث كان ورضني به. والمهم ألا تحزني على عدم تحقق مرادك ، فإنك لا تدرين أين الخير.
والله أعلم.