الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يجب على الوالد شرعا أن يعدل بين أبنائه في العطاء على الراجح من أقوال العلماء، وانظري بيان ذلك وأدلته في الفتوى رقم: 6242.
والأم كالأب سواء في وجوب العدل بين الأبناء في العطاء، قال ابن قدامة: والأم في المنع من المفاضلة بين الأولاد كالأب؛ لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «اتقوا الله، واعدلوا بين أولادكم»، ولأنها أحد الوالدين، فمنعت التفضيل كالأب، ولأن ما يحصل بتخصيص الأب بعض ولده من الحسد والعداوة، يوجد مثله في تخصيص الأم بعض ولدها، فثبت لها مثل حكمه في ذلك. اهـ.
فالأصل أنه يجب عليك العدل بين أبنائك جميعا في العطاء، وكون بعض الأبناء أقل حالا من الأبناء الآخرين لا يسوغ تفضيل الأقل حالا وتخصيصهم بالعطاء دون الآخرين ـ إلا أن يرضوا بذلك ـ، فالتفاوت بين الأبناء في الحالة المادية ليس مسوغا للتفضيل والتخصيص.
لكن إذا طرأت حاجة حقيقية لبعض الأبناء فقد رخص بعض العلماء في التخصيص والتفضيل حينئذ، ومنع منه آخرون، جاء في كشاف القناع: ولا فرق في امتناع التخصيص والتفضيل بين كون البعض ذا حاجة أو زمانة أو عمى أو عيال أو صلاح أو علم أو لا، ولا بين كون البعض الآخر فاسقا، أو مبتدعا، أو مبذرا أو لا وهو ظاهر كلام الأصحاب ونص عليه في رواية يوسف بن موسى في الرجل له الولد البار الصالح وآخر غير بار لا ينيل البار دون الآخر. (وقيل إن أعطاه لمعنى فيه من حاجة أو زمانة أو عمى أو كثرة عائلة أو لاشتغاله بالعلم ونحوه) كصلاحه (أو منع بعض ولده لفسقه أو بدعته أو لكونه يعصي الله بما يأخذه ونحوه جاز التخصيص) والتفضيل بالأولى (اختاره الموفق وغيره) استدلالا بتخصيص الصديق عائشة - رضي الله عنهما - وليس إلا لامتيازها بالفضل، ولنا عموم الأمر بالتسوية وفعل الصديق يحتمل أنه نحل معها غيرها، أو أنه نحلها وهو يريد أن ينحل غيرها فأدركه المرض ونحوه. اهـ.
فالحاصل: أن عليك أن تتحري العدل بين أولادك جميعا، ولا تخصصي بعضهم بالعطاء لمجرد أنهم أقل حالا من إخوانهم، وما سبق منك من تخصيص بعضهم دون مسوغ: فعليك أن تسترديه منهم، أو تعطي البقية مثله ـ إلا أن يرضوا ويسامحوا ـ قال ابن قدامة: فإن خص بعضهم بعطيته، أو فاضل بينهم فيها أَثِم، ووجبت عليه التسوية بأحد أمرين؛ إما رد ما فضل به البعض، وإما إتمام نصيب الآخر. اهـ.
والله أعلم.