الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يصح في الجملة أن يعفو الشخص عن دية نفسه، فإن كانت الجناية عمدا، فإن الدية تسقط جميعها، وأما إن كانت خطأ فإنه يعتبر العفو من ثلث تركة العافي، فإن كانت الدية قدر الثلث فأقل نفذ العفو فيها جميعها، وإلا وقف القدر الزائد عن الثلث على إجازة الورثة، جاء في الهداية شرح البداية: وإن عفا عن القطع وما يحدث منه ثم مات من ذلك، فهو عفو عن النفس، ثم إن كان خطأ فهو من الثلث، وإن كان عمدا فهو من جميع المال، لأن موجب العمد القود ولم يتعلق به حق الورثة لما أنه ليس بمال فصار كما إذا أوصى بإعارة أرضه، أما الخطأ فموجبه المال، وحق الورثة يتعلق به فيعتبر من الثلث. اهـ.
وفي كفاية الطالب الرباني: وللرجل ولو سفيها العفو عن دمه ـ أي عن دم نفسه ـ العمد إذا عفا بعد ما وجب له الدم مثل أن يعفو بعد إنفاذ مقاتله، ولا كلام للأولياء ولا لأهل الدين إذا كان مديانا، وقيدنا بإذا إلخ احترازا مما إذا عفا قبل وجوبه مثل أن يقول اقتلني ودمي هدر، فإن القاتل يقتل، لأن المقتول عفا عن شيء لم يجب له، وإنما يجب لأوليائه، وقوله: إن لم يكن قتل غيلة ـ تكرار، وعفوه ـ أي الرجل المقتول ـ عن دم نفسه الخطأ كائن في ثلثه، لأن الدية مال من أمواله فللورثة أن يمنعوه من الزائد على الثلث، لأنه في هذه الحالة محجور عليه. اهـ.
وفي مطالب أولي النهى: وإن عفا مجروح عمدا أو خطأ عن قود نفسه أو ديتها صح عفوه، لإسقاطه حقه بعد انعقاد سببه، ولأن الجناية عليه، فصح عفوه عنها كسائر حقوقه وكعفو وارثه عن ذلك... وكل عفو صححناه من مجروح مجانا مما يوجب المال عينا كالخطأ وشبه العمد والجائفة، فإنه إذا مات العافي يعتبر ما عفا عنه من الثلث، أي: ثلث التركة، فينفذ إذا كان قدر الثلث فأقل، وإن زاد فبقدره، لأنه مال أبرأه منه بعد ثبوته في مرض اتصل به الموت، أشبه الدين، وينقض العفو عما يوجب المال عينا من مجروح إذا مات للدين المستغرق للتركة كالوصية، وإن أوجب ما عفا عنه مجروح، ثم مات قودا، نفذ من أصل التركة، ولو لم تكن التركة سوى دمه، نصا، لعدم تعين المال، فإذا سقط القود لم يلزمه إثبات المال كقبوله الهبة والوصية. اهـ.
والله أعلم.