الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهدية الطالب للمدرس إن لم يتعلق بها غرض سيء كمحاباة الطالب أو رفع درجاته أو ما شابه فلا بأس بها، وقد سبق لنا إيضاح في فتاوى عديدة انظري منها الفتويين: 106445، 93697.
وبذا يتبين أنه لا حرج عليك في قبول الهدية التي أهديت إليك إذا لم يترتب على ذلك ما لا يجوز.
والأصل في بذل وقبول الهدايا عمومًا الاستحباب؛ فقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: تهادوا تحابوا. أخرجه الإمام مالك في الموطأ، لكن إذا ترتب على الهدية مفسدة فلا تجوز، كما في حال الهدايا التي تقدم للعمال بسبب وظائفهم؛ فإن المفسدة فيها ظاهرة، وقصد الرشوة منها بين، ولذلك فحكمها حكم الغلول والرشوة؛ يقول العلامة ابن عثيمين -رحمه الله-: الهدية لا شك أنها تجلب المودة والمحبة والألفة بين الناس، وهذا أمر يشهد به الواقع، ولكن إذا تضمنت مفسدة أكبر من مصلحتها، فإن القاعدة الشرعية تقتضي أن تكون حرامًا، ألا ترى إلى قول تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا)، ولما كان إثمهما أكبر من نفعهما حرمهما الله -عز وجل- فالهدية إذا تضمنت محظورًا صارت حرامًا مثل أن تهدي إلى شخص موظف لدى الدولة وملزم بأن يقوم بعمل تلك المصلحة، فتهدي إليه هدية ليقوم لك بالعمل الذي يقوم به بمقتضى وظيفته، فإن الهدية هنا تكون حرامًا؛ لأن قبول الهدية حرام، وما كان سببًا للحرام فهو حرام، وفي الصحيح في الحديث الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث عبد الله بن اللتبية عاملًا على الصدقة، فلما رجع قال: هذا لكم، وهذا أهدي إلي. فأنكر النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك، وقال: (هلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى إليه أم لا!) وروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (هدايا العمال غلول)، فلا يحل لأحد قائمًا على عمل بالدولة أن يقبل هدية من له عنده معاملة؛ لأن ذلك شبيه بالرشوة، بل هو في الحقيقة رشوة؛ لأن هذا المهدي إنما أهدى ليتوصل إلى حقه الذي يجب على المهدى إليه أن يقوم به. اهـ.
أما قولك: ولماذا أُعطي ابن اللتبية الهدايا أليس من محبتهم له؟
فجوابه واضح من خلال الحديث الذي وردت فيه القصة؛ فالهدية لم تكن إلا لأجل المنصب الذي تقلده، ولو كانت لأجل محبته لأهدي إليه وهو في بيت أبيه وأمه، كما قال له النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما حاسبه: «فهلا جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقًا» متفق عليه.
والله أعلم.