الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكر الله -سبحانه وتعالى- في كتابه العزيز صفات من يحق لهم عمارة المساجد فقال: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ [التوبة:18].
قال في التفسير المنير: أي إنما يستحق عمارة المساجد وتستقيم منه العمارة، ويكون أهلاً لها من اتصف بالإيمان بالله تعالى إيماناً صحيحاً، على النحو المبين في القرآن من الإقرار بوجود الله والاعتراف بوحدانيته، وتخصيصه بالعبادة والتوكل عليه، وآمن باليوم الآخر الذي يحاسب الله فيه العباد، وأقام الصلاة المفروضة... هؤلاء الموصوفون بهذه الصفات هم الذين يقتصر عليهم عمارة المساجد الحسية بالبناء والتشييد والترميم، والمعنوية بالعبادة والأذكار وحضور دروس العلم، فلا يعمر بيوت الله غيرهم). اهـ.
وبناءً على ما تقدم نقول: الأصل أن يقوم المسلمون ببناء المساجد، وأن يمنع الكفار من ذلك لأنهم ليسوا أهلاً لعمارة مساجد الله، ولئلا تكون لهم منّة على المسلمين بذلك، كما أشار إلى هذا الملحظ الشوكاني -رحمه الله- في فتح القدير.
وقال الجصاص -رحمه الله- في أحكام القرآن (2/87): اقتضت الآية منع الكفار من دخول المساجد ومن بنائها وتولي مصالحها والقيام بها. انتهى.
لكن إن قام كافر ببناء مسجد أو المساهمة في نفقاته، فلا يهدم المسجد إلا إذا اتخذ أداة للضرر، فيكون حينئذ كمسجد الضرار فيهدم. فالصلاة في المسجد الذي بنته منظمة (تنصيرية) جائزة، ما لم تكن بنته ضراراً وتفريقاً بين المؤمنين.
قال في التفسير المنير: ولا مانع -أيضاً- من قيام الكافر ببناء مسجد أو المساهمة في نفقاته، بشرط ألا يتخذ أداة للضرر، وإلا كان حينئذ كمسجد الضرار...
وقال أيضاً: إنما المنع موجه إلى الولاية على المساجد والاستقلال بالقيام بمصالحها، مثل تعيينه: ناظر المسجد أو ناظر أوقاته. وقيل: إن الكفار ممنوعون من عمارة مساجد المسلمين مطلقاً. التفسير المنير (10/140) للدكتور وهبة الزحيلي.
والله أعلم.