الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يوفقك، وأن يصلح شأنك، وسؤالك حول كتابتك لتلك الرواية، ونقلك فيها لما أخبرتك به إحدى زوجات أعمامك، من موقف جدتك من زوجات أعمامك الأخريات، يتعلق به عدة مسائل:
الأولى: هل نقلك لذلك الكلام يعتبر إفشاء لسر من أخبرتك، وإضرارا بها -بإفساد العلاقة بينها، وبين زوجات أعمامك الأخريات-؟
وجوابه: أن الأصل أنه إذا ظهر من حال الشخص المخبر بأمر ما، أنه لا يرضى بنشره، فلا يجوز نشره، لا سيما إن كان سيفضي إلى ضرر بالمخبِر، كما سبق في الفتوى رقم: 41559، والفتوى رقم: 76086.
الثانية: هل كتابتك لتلك الرواية هو من باب الغيبة المحرمة، أم لا؟
ويقال في هذا: إن الغيبة المحرمة، هي ذكر المسلم أخاه بما يكره، لكن إن كان الكلام مبهما دون تسميه للأشخاص، وكان لا يمكن للمتلقي التعرف عليهم، فلا يعتبر ذلك من الغيبة المحرمة، وإلا فهو من الغيبة، كما سبق في الفتوى رقم: 227230 .
وعموما: فسواء كان ما قمت به غيبة، أو فتنة، أم لا. فنوصيك بالاستغفار، والتوبة على كل حال، فقد أمر الله بذلك عباده المؤمنين جميعا، فقال سبحانه: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {النور:31}.
قال ابن القيم: ومنزلة التوبة أول المنازل، وأوسطها، وآخرها، فلا يفارقه العبد السالك، ولا يزال فيه إلى الممات، وإن ارتحل إلى منزل آخر، ارتحل به، واستصحبه معه، ونزل به، فالتوبة هي بداية العبد، ونهايته، وحاجته إليها في النهاية، ضرورية، كما أن حاجته إليها في البداية كذلك، وقد قال الله تعالى: {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} [النور: 31].
وهذه الآية في سورة مدنية، خاطب الله بها أهل الإيمان، وخيار خلقه أن يتوبوا إليه، بعد إيمانهم، وصبرهم، وهجرتهم، وجهادهم، ثم علق الفلاح بالتوبة، تعليق المسبب، بسببه، وأتى بأداة لعل، المشعرة بالترجي، إيذانا بأنكم إذا تبتم، كنتم على رجاء الفلاح، فلا يرجو الفلاح إلا التائبون، جعلنا الله منهم. قال تعالى: {ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون} [الحجرات: 11] قسم العباد إلى تائب، وظالم، وما ثم قسم ثالث البتة، وأوقع اسم الظالم على من لم يتب، ولا أظلم منه، لجهله بربه، وبحقه، وبعيب نفسه، وآفات أعماله. اهـ من مدارج السالكين.
وليس ثم كفارة خاصة للغيبة ونحوها، لكن الأعمال الصالحة عموما، مكفرة للسيئات، فقد أخرج الشيخان عن عبد الله بن مسعود، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله؛ إني عالجت امرأة في أقصى المدينة، وإني أصبت منها ما دون أن أمسها، فأنا هذا، فاقض في ما شئت، فقال له عمر: لقد سترك الله، لو سترت نفسك، قال: فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم شيئا، فقام الرجل فانطلق، فأتبعه النبي صلى الله عليه وسلم رجلا دعاه، وتلا عليه هذه الآية: أَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ {هود:114}، فقال رجل من القوم: يا نبي الله؛ هذا له خاصة؟ قال: "بل للناس كافة".
وإذا تبين للشخص أنه ظلم غيره بغيبته، أو إفشاء سره، أو نحو ذلك، فيشرع له التحلل منه، ويُنظر في سبيل ذلك الفتوى رقم: 66515 .
وراجعي للفائدة الفتوى رقم: 243361، والفتوى رقم: 94887.
والله أعلم.