الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعفو والصفح من شيم الكرام، وهو لا يزيد صاحبه إلا عزا ورفعة في الدنيا والآخرة، فاستمري على ما أنت عليه من مخالقة الناس بالخلق الحسن تبتغين بذلك وجه الله تعالى وثقي أن الله تعالى سيبدل عداوة من تعاملينه بالحسنى مودة وبغضه حبا، كما قال تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34}.
واعلمي أن ما يذخره الله لمن عفا وأصلح في الآخرة أعظم وأكبر، كما قال تعالى: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى:43}.
وقال تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {الشورى:40}.
وقال تعالى: وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى{البقرة:237}.
والجزاء من جنس العمل، فمن عفا عفا الله عنه ومن تجاوز تجاوز الله عنه ومن سامح سامحه الله، قال تعالى: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {النور:22}.
فالأصل إذًا هو العفو والصفح، ولكن إذا علمت أن عفوك لا يؤدي إلى الإصلاح وأنه يزيدهم تماديا في الشر، فلك أن تعامليهم بالمثل وأنت تحتسبين في ذلك أن يكون إصلاحا لهم، ولتنظر الفتوى رقم: 278878، لبيان الحال التي لا يفضل فيها العفو عن الحقوق.
وإذا هجروك ولم يكن منك تقصير ولا جرم، فلا إثم عليك، ويجوز لك هجر من يؤذيك بالقدر الذي يردعه عن الأذية ويدفع عنك شره، وانظري الفتوى رقم: 289867.
والله أعلم.