الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالتأمين على الحياة، من العقود المحرمة، وهو أحد أنواع التأمين التجاري، المتفق على تحريمه، في قرارات المجامع الفقهية، وراجع في ذلك الفتويين التاليتين: 472، 7394. وكذلك القروض الربوية، لا شك في تحريمها.
وما دام الفحص الطبي يراد به هذان الغرضان المحرمان، فلا يجوز للطبيب القيام به؛ لما في ذلك من التعاون على الإثم، وقد قال الله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة: 2].
قال ابن تيمية -رحمة الله تعالى- في حديث: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة: عاصرها، ومعتصرها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وساقيها، وبائعها، وآكل ثمنها، والمشتري لها، والمشتراة له. رواه الترمذي وابن ماجه، وصححه.
قال: وجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن عاصر الخمر ومعتصرها، ومعلوم أنه إنما يعصر عنبا فيصير عصيرا، ثم بعد ذلك قد يخمر، وقد لا يخمر، ولكن لما قصد بالاعتصار تصييره خمرا، استحق اللعنة، وذلك إنما يكون على فعل محرم، فثبت أن عصير العنب لمن يتخذه خمرا محرم، فتكون الإجارة عليه باطلة، والأجرة محرمة، وإذا كانت الإجارة على منفعته التي يعين بها غيره في شيء قصد به المعصية، إجارة محرمة باطلة، فبيع نفس العنب، أو العصير لمن يتخذه خمرا، أقرب إلى التحريم والبطلان... ثم في معنى هؤلاء كل بيع، أو إجارة، أو هبة، أو إعارة، تعين على معصية إذا ظهر القصد، وإن جاز أن يزول قصد المعصية. اهـ.
وبذلك يظهر أن الحكم لا يختلف إن كتب التقرير على ورقة خاصة بالطبيب، أو على نموذج من شركة التأمين. وكذلك لا فرق بين إتمام العقد من شركة التأمين، وبين عدم إتمامه بسبب أمور أخرى لدى الشركة، طالما كان المقصد من الكشف الطبي معلوما للطبيب مسبقا، ولذلك قال شيخ الإسلام في كلامه السابق: "وإن جاز أن يزول قصد المعصية".
وجاء في الموسوعة الفقهية: ذهب الجمهور إلى أن كل ما يقصد به الحرام، وكل تصرف يفضي إلى معصية، فهو محرم، فيمتنع بيع كل شيء علم أن المشتري قصد به أمرا لا يجوز. اهـ.
والله أعلم.