الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يفرج كربك وييسر أمرك، وأن يوفقك ويلهمك رشدك.
وأما ما سألت عنه فجوابه أنه: لا حرج عليك في هذا العمل في ظل ظروفك التي ذكرت، خاصة وأنك لا تتعامل مع الخمور، ولا تقدم من الأطعمة إلا الحلال.
وأما حزنك وشعورك بالضيق فهو أمر طبعي لا غرابة فيه، بالنظر إلى ظروفك المذكورة! ولا يتعارض هذا مع التوكل على الله تعالى وحسن الظن به، ولا مع الصبر أو الرضا بقضائه تعالى وقدره، وإنما تقع المؤاخذة إذا ترتب على ذلك أقوال أو أفعال محرمة، ففي الصحيحين عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: اشتكى سعد بن عبادة شكوى له، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم، فلما دخل عليه فوجده في غاشية أهله، فقال: قد قضى؟ قالوا: لا يا رسول الله. فبكى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رأى القوم بكاء النبي صلى الله عليه وسلم بكوا، فقال: "ألا تسمعون! إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا ـ وأشار إلى لسانه ـ أو يرحم".
وفي الصحيحين أيضا في قصة موت إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وجد عليه وجعلت عيناه صلى الله عليه وسلم تذرفان، فسألوه عن ذلك فقال صلى الله عليه وسلم: "إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون". وراجع للفائدة الفتوى رقم: 139774.
والسائل ـ بحمد الله ـ يدعو الله دائماً ويتوكل عليه ويفوض أمره إليه، كما ذكر عن نفسه، وهذا حال من يحسن الظن بربه تعالى.
ثم إننا نذكر الأخ السائل بأن أمر الرزق محتوم، وأن كل إنسان لا بد أن يستوفي رزقه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها. رواه أبو نعيم، وصححه الألباني. وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: لو فر أحدكم من رزقه؛ أدركه كما يدركه الموت. قال المنذري: رواه الطبراني في الأوسط والصغير بإسناد حسن. اهـ. وحسنه الألباني.
كما نذكره بقول الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا {الطلاق:2-3}، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا {الطلاق:4}، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: احفظ الله يحفظك. رواه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح. وصححه الألباني.
والله أعلم.