الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن المحسود لا إثم عليه ولا ضرر، وإنما يكون الإثم والضرر على الحاسد؛ فهو الذي يأثم ويتضرر في الدنيا، ويستحق العقوبة في الآخرة؛ لانتهاكه ما حرم الله، واعتراضه على قضاء الله وقدره.
جاء في الآداب الشرعية لابن مفلح: الْحَسَدُ دَاءٌ مُنَصِّفٌ، يَعْمَلُ فِي الْحَاسِدِ أَكْثَرَ مِمَّا يَعْمَلُ فِي الْمَحْسُودِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ، وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ الْمَحْسُودَ مَعَ مَا لَهُ مِنْ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ. اهـ.
والحاسد قد لا يأثم إذا لم يبغ؛ كما جاء في الآداب الشرعية.
قال: وذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ، أَنَّ النَّهْي عَنْ الْحَسَدِ إنَّمَا يَتَوَجَّهُ إلَى مَنْ عَمِلَ بِمُقْتَضَى التَّسَخُّطِ عَلَى الْقَدَرِ، أَوْ يَنْتَصِبُ لِذَمِّ الْمَحْسُودِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكْرَهَ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ... وَذَكَرَ قَوْلَ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: غَمِّهِ فِي صَدْرِكَ، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّكَ، مَا لَمْ تَعْتَد بِهِ يَدًا وَلِسَانًا..
وَفِي الْحَدِيثِ «ثَلَاثٌ لَا يَنْجُو مِنْهُنَّ أَحَدٌ: الْحَسَدُ، وَالظَّنُّ، وَالطِّيَرَةُ، وَسَأُحَدِّثُكُمْ بِالْمَخْرَجِ مِنْ ذَلِكَ: إذَا حَسَدْتَ فَلَا تَبْغِ، وَإِذَا ظَنَنْتَ فَلَا تُحَقِّقْ، وَإِذَا تَطَيَّرَتْ فَامْضِ» اهـ.
وسبق أن بينا الحالات التي يأثم فيها الحاسد، والتي لا يأثم فيها، انظر الفتوى رقم: 167181.
والله أعلم.