الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان الحال ما ذكرت من أن أمك تشاهد المسلسلات والأفلام التي لا تراعى فيها أحكام الشرع، فهي على منكر وتضيع وقتها فيما يضرها ولا ينفعها، واعتذارها بكونها مصابة بالملل من العذر الأقبح من الذنب، فهذه اللحظات التي تقضيها أمام الشاشة مسؤولة عنها يوم القيامة، كما روى البخاري عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ.
وروى الحاكم والبيهقي عن ابن عباس أيضا ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه: اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك.
وكان الأحرى بأمك أن تكون القدوة لأبنائها وتوجههم إلى الخير والفضيلة لا أن يحصل العكس، ومن أولى ما نوصيك به الصبر عليها، والدعاء لها بالهداية والصلاح، فسعيك في ذلك من أعظم أنواع البر بالأم والإحسان إليها، والله عز وجل بيده قلوب العباد، قال تعالى: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ {الأنعام:125}.
وفي الحديث الذي رواه مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء.
فإن لم تتمكن من إقناعها بترك مشاهدتها وسماع الموسيقى، فلا أقل من أن تقنعها بخفض الصوت، واشفع إليها ببعض المقربين إليها، ولا يجوز للمسلم البقاء في مكان يرى فيه المنكر أو يسمعه، قال تعالى: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ {الأنعام:68}.
وانظر الفتوى رقم: 165455.
ولهذا، فقد أحسنت بقيامك من المجلس عند وجود المنكر، وهذا فيما يتعلق بالسؤال الأول.
وأما السؤال الثاني: فجوابه أن الخوف من هذه الآفات أمر حسن ومحمود، ولكن يجب عليك الحذر من أن يكون هذا الخوف مانعا لك من الإقدام على الخير وعمل الصالحات، فإنه في هذه الحالة يكون مذموما، ولمزيد الفائدة راجع الفتوى رقم: 49074.
فأعرض عن كل وسوسة وأقدم على العمل متوكلا على الله محتسبا الأجر عند الله، فإنك بذلك تغيظ الشيطان، فإنه بتلك الوساوس يريد أن يثنيك عن العمل وكسب الثواب.
وجواب السؤال الثالث: إذا كنت في مجلس غيبة، فالواجب عليك الإنكار، فإن امتثلوا فلا حرج عليك في البقاء معهم، وإلا كانت مفارقة هذا المجلس واجبة، ولا يحل البقاء فيه حتى يترك المنكر، ولا تكون قاطعا للرحم بذلك، بل أنت مأجور بإذن الله لا مأزور، وراجع الفتوى رقم: 157765.
نسأل الله أن يحفظك ويزيدك هدى وتقى إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم.