الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن أجرة العين المستأجرة، تستحق بمجرد تسليمها، والتمكين من الانتفاع بها، ولو لم ينتفع بها المستأجر فعلا.
جاء في بدائع الصنائع للكاساني: ونعني بالتسليم التخلية، والتمكين من الانتفاع برفع الموانع في إجارة المنازل ونحوها، وعبيد الخدمة، وأجير الوحْد, حتى لو انقضت المدة من غير تسليم المستأجر على التفسير الذي ذكرنا، لا يستحق شيئا من الأجر; لأن المستأجر لم يملك من المعقود عليه شيئا، فلا يملك هو أيضا شيئا من الأجر; لأنه معاوضة مطلقة, ولو مضى بعد العقد مدة، ثم سلم، فلا أجر له فيما مضى؛ لعدم التسليم فيه, ولو أجر المنزل فارغا، وسلم المفتاح إلى المستأجر، فلم يفتح الباب حتى مضت المدة، لزمه كل الأجر؛ لوجود التسليم، وهو التمكين من الانتفاع برفع الموانع في جميع المدة، فحدثت المنافع في ملك المستأجر، فهلكت على ملكه، فلا يسقط عنه الأجر, كالبائع إذا سلم المبيع إلى المشتري بالتخلية، فهلك في يد البائع، كان الهلاك على المشتري; لأنه هلك على ملكه, كذا هذا. اهـ.
وفي المغني لابن قدامة: وإن سلمت إليه العين التي وقعت الإجارة عليها, ومضت المدة, ولا حاجز له عن الانتفاع, استقر الأجر وإن لم ينتفع; لأن المعقود عليه تلف تحت يده, وهي حقه, فاستقر عليه بدلها, كثمن المبيع إذا تلف في يد المشتري. اهـ.
وعلى ذلك، فإن عقدت الإجارة على عين ما، كشقة أو غيرها، لمدة ما، فإن الأجرة تجب على المستأجر عن جميع المدة المعقود عليها، سواء تخللتها فترة انقطاع بسفر ونحوه، أم لا؛ لأن العبرة بتسليم العين، والتمكين من الانتفاع، ولو لم يستوف المستأجر المنافع فعلا.
ومن ذلك إجارة الفراش، فإن تم الاتفاق بينك وبين صاحبك على تأجيرها لعام دراسي مثلا، فإنه يلزمه دفع الأجرة عن جميع المدة المعقود عليها، بما فيها فترة سفره، وحينئذ لا وجه لتفريق صاحبك بين عدم استخدامه للفراش، وعدم استخدامه للشقة، فكما يجب عليه دفع أجرة الشقة عن فترة سفره، فكذلك يجب عليه دفع أجرة الفراش عن تلك الفترة أيضا.
أما إن تم الاتفاق على إجارة الفراش شهرا بشهر مثلا، فحينئذ تكون إجارتها غير لازمة، ومن ثم يحق لصاحبك فسخها في أي شهر شاء، ولا يلزمه دفع أجرة الفراش عن الأشهر التي سافر فيها.