الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننبه أولا إلى أن السؤل لا يخلو من غموض وتشعب، ولذا ننصح بمشافهة أهل العلم فيه بشكل مباشر نظرا لما يحتوي عليه من تفاصيل دقيقة.
وسنقتصر هنا على ما يظهر أنه هو محل استشكال السائل، وهو مسألة الشقتين اللتين وهبتهما الأم له ولأخيه الأكبر، فنقول:
إذا كانت الأم قد اختصتكما بهبة الشقتين دون باقي الإخوة لغير مبرر شرعي فإن ذلك لا يجوز، وكان عليها أن ترد تلك الهبة أو تعطي باقي الأبناء مثلها، لما جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبشير بن سعد لما نحل ابنه النعمان نحلاً وأتى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده على ذلك، فقال له: يَا بَشِيرُ؛ أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ لاَ، قَالَ: فَلاَ تُشْهِدْنِي إِذًا، فَإِنِّي لاَ أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ. واللفظ لمسلم.
وفي رواية لهما أنه قال له أيضا: فأرجعه. وفي رواية لمسلم: اتقوا الله واعدلوا في أولادكم، فَرَجَعَ أَبِي فَرَدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ.
لكن الأم إذا ماتت قبل أن ترد الهبة ـ والحال أنها هبة صحيحة حيزت في حياتها ـ فقد ذهب أكثر أهل العلم إلى مضيها بالموت قبل تعديلها، قال ابن قدامة في المغني: إذا فاضل بين ولده في العطايا، أو خص بعضهم بعطية ثم مات قبل أن يسترده ثبت ذلك للموهوب له ولزم وليس لبقية الورثة الرجوع، هذا المنصوص عن أحمد في رواية محمد بن الحكم والميموني واختاره الخلال وصاحبه أبو بكر، وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي وأكثر أهل العلم وهو الذي ذكره الخرقي. اهـ
وذهب بعضهم إلى أنه يجب على المفَّضل رد ما فضل به وإن مات الوالد قبل التعديل.
وفي كل الأحوال ينبغي للأبناء ـ على فرض عدم رد الهبة من الأم في حياتها ـ أن يعدلوا فيها لرفع الظلم عن بقية إخوانهم، وذلك من البر بالأم بعد موتها.
علما بأن قولك: "بعد وفاة أبي خشيت أمي من أن تظلم إخوتي بتمليك الشقتين لي ولأخي الأكبر واتفقنا جميعا على أن نتملك الشقق فقط .." إذا كان المقصود به أن الأم قامت برد الهبة في حياتها فالأمر واضح، وتكون تلك الهبة (الشقتان) مثل باقي التركة تقسم على الورثة كل حسب نصيبه، ولا يؤثر في ذلك عدم كتابة الأمر وتوثيقه.
أما قولك: "قد قمت بدفع مبلغ 43000 في تأسيس الشقة قبل الزواج لأنها كانت معدمة" فجوابه أنك إن كنت دفعت ذلك المال على سبيل الهبة والتبرع لأمك، فإنه يصير كسائر أموال التركة، ولا تختص أنت منه بشيء، وإن كنت غير متبرع بما دفعت ـ كما هو الظاهر ـ فلك الرجوع على الورثة بما دفعت في الشقة، وهذا على فرض أن الشقة ستعود للورثة وتقسم بينهم على نحو ما تقدم.
والله أعلم.