الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإنا نسأل الله لنا، ولكم، وللوالد العافية، وأما عن المعالج الذي ذكرت: فينبغي التحري في شأنه، فإن ثبت كونه ساحرًا، فلا يجوز الإتيان إليه، ولا سؤاله عن حال المريض، ولا تصديقه فيما يزعم أنه حاصل من السحر، ولا فيما يدعيه من المغيبات، ويدل لذلك ما روي عن ابن مسعود قال: من أتى عرافًا، أو ساحرًا، أو كاهنًا فسأله فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد. رواه أبو يعلى، والبزار، ورجاله ثقات، كما قال الهيثمي، وهو موقوف، ولكن مثله لا يقال بالرأي كما قال ابن حجر في الفتح.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 1858، 8631، 21278، 24876.
وأما حبوب العطارين التي ذكرها: فإنه لا يمنع استعمالها، فإن بعض العلاجات التي جرب نفعها قد يرشد لها بعض الرقاة، وبعض الأطباء، ولا حرج في استعمالها، ولا يلزم أن تكون صادرة من السحرة، وقد سئل العلامة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين ـ رحمه الله ـ فقيل له: أحد الإخوة المعروفين بتأويل الرؤى، رأى أنه ينفع لعلاج السحر أن يؤخذ كيلو من السدر المطحون، وكيلو من الملح الخشن ـ الصخري ـ المطحون، وكيلو من الشبة المطحونة، ويخلط خلطاً جيداً، ثم يوزع على سبعة أكياس، بحيث يتم استخدام كل يوم كيس من السبعة أجزاء، يوضع في جالون ماء يقارب خمسة لترات، وتخض جيداً، ويغتسل بها المسحور لمدة سبعة أيام، بحيث يكون استخدام الكمية لتلك الأيام المذكورة، وقد جرب ذلك الأمر فنفع مع بعض الحالات، ولم ينفع مع البعض الآخر، فهل يجوز استخدام ذلك؟ أفتونا مأجورين وجزاكم الله خيراً،
فأجاب -رحمه الله-: لا بأس باستخدام هذا الدواء على وجه التجربة، فإن هذه الأدوية لا محظور في استخدامها على الصفة المذكورة، ولا تدخل في الشعوذة، ولا الأعمال الشيطانية، وحيث إنها قد جربت ونفعت: فنرى أنه لا بأس باستخدامها في علاج السحر، ونحوه، والله أعلم. اهـ.
وبناء عليه؛ فلا يلزم من هذا كفر الوالدة، ولا أنكم صدقتم الساحر ما لم يثبت كونه ساحرًا، وذلك أن الأصل بقاء المسلم على دينه، وعدم تكفيره، فمن ثبت إسلامه بيقين، فلا يخرج منه إلا بيقين، والأصل بقاء ما كان على ما كان عليه.
ولا يجوز التخرص على المسلمين بمجرد الريبة، والتهمة.
ولو ثبت كونه ساحرًا، فلا يمنع ذلك تناول العلاجات الطبية؛ لأن تصديق الساحر المذموم في حديث: من أتى ساحرًا، أو كاهنًا، أو عرافًا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم. وكذا في الحديث: ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن خمر، وقاطع رحم، ومصدق بالسحر. رواه الإمام أحمد، وابن حبان في صحيحه، والحاكم، وصححه الحاكم، وأقره الذهبي.
إنما يحمل على تصديقه فيما يدعيه من الاطلاع على الغيب؛ لأن المؤمن يوقن أنه لا يعلم الغيب إلا الله، لقول الله تعالى: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ {الجن:27}، وقوله تعالى: قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ {النمل:65}، وقوله تعالى: وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ {آل عمران:179}.
فمن صدقه في خبره عن الغيب، فقد كفر بالآيات المنزلة في هذا المجال، وأما تصديقه في مسائل علاجية طبية، فلا يدخل في هذا، قال الخطابي: فالحديث يشتمل على النهي عن إتيان هؤلاء كلهم، والرجوع إلى قولهم، وتصديقهم على ما يدعونه من هذه الأمور. اهـ.
ويدل لجواز تصديق الساحر فيما أخبر بحصوله من دون ادعاء للغيب، ما جاء عن عائشة، رضي الله عنها: أنها دبرت جارية لها, فسحرتها, فاعترفت بالسحر, فأمرت بها عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن تباع من الأعراب ممن يسيء مملكتها, فبيعت.
وما جاء عن ابن عمر: أن حفصة بنت عمر ـ رضي الله عنهما ـ سحرتها جارية لها، فأقرت بالسحر، وأخرجته، فقتلتها. أخرجهما البيهقي.
والله أعلم.