الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الغيبة المحرمة هي ذكر الإنسان لأخيه بما يكرهه، مثل الأمور التي فيها تنقيص له، أو مس من كرامته، أو استهزاء به، أو ذكر شيء من عيوبه ومساوئه، ونحو ذلك.
ففي صحيح مسلم وغيره أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: الغيبة ذكرك أخاك بما يكره. قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فقد بهته.
وانظر الفتويين: 133149، 138444.
وبهذا يعلم أن ذكرك أنك مللت من السلام لا يعد غيبة؛ لأنه مجرد إخبار عن نفسك، وليس فيه ذكر لشخص بما يكره.
هذا ونود التنبيه إلى أنه لا ينبغي الضجر أو التضايق من السلام، فقد حث المصطفى -صلى الله عليه وسلم- على السلام في أحاديث عديدة، منها ما جاء في صحيحي البخاري ومسلم، عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص -رضي اللّه عنهما- أنَّ رجلًا سأل رسولَ اللّه -صلى اللّه عليه وسلم-: أيُّ الإِسلام خَيْرٌ؟ قال: تُطْعِمُ الطَّعامَ، وَتَقْرأُ السَّلام على مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ.
وجاء في حديث عبد الله بن سلام أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: أيها الناس؛ أطعموا الطعام، وأفشوا السلام. الحديث رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
وفي حديث أبي هريرة مرفوعًا: لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابوا، أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم. رواه مسلم.
قال النووي -رحمه الله- معلقًا على هذا الحديث: وفيه الحث العظيم على إفشاء السلام وبذله للمسلمين كلهم من عرفت ومن لم تعرف، كما تقدم في الحديث الآخر، والسلام أدل أسباب التآلف ومفتاح استجلاب المودة، وفي إنشائه تكمن ألفة المسلمين بعضهم لبعض، وإظهار شعارهم المميز لهم من غيرهم من أهل الملل، مع ما فيه من رياضة النفس ولزوم التواضع وإعظام حرمات المسلمين. اهـ.
والله أعلم.