الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يفرج كربكم، وأن يعافيكم في دينكم ودنياكم، وأن يهيئ لكم من أمركم رشدًا.
ثم إننا نوصيكم بالصبر على إساءة جدتكم، وردِّه بالإحسان إليها، فإن حقها عليكم وعلى أبيكم في البر لا يسقط بإساءتها إليكم. واستعينوا بالله تعالى على ذلك، وألحوا عليه في الدعاء بأن يهديها ويصلح حالها. وراجعي في ذلك الفتويين: 250393، 264664.
وأما والدتكم: فلا يجب عليها مثل هذا الحق لجدتكم؛ لأنها ليست من ذريتها. وإنما ينبغي أن تصلها بالمعروف، فإن استمرت والدة زوجها في الإساءة إليها، وتضررت من ذلك، فلا حرج عليها أن تهجرها بالقدر الذي يرفع عنها الضرر؛ قال ابن عبد البر في (التمهيد): أجمع العلماء على أنه لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث إلا أن يكون يخاف من مكالمته وصلته ما يفسد عليه دينه، أو يولد به على نفسه مضرة في دينه أو دنياه، فإن كان ذلك فقد رخص له في مجانبته وبعده، ورب صرم جميل خير من مخالطة مؤذية، قال الشاعر: إذا ما تقضى الود إلا تكاشرا ... فهجر جميل للفريقين صالح. اهـ.
وقال في (الاستذكار): والذي عندي أن من خشي من مجالسته ومكالمته الضرر في الدين أو في الدنيا، والزيادة في العداوة والبغضاء، فهجرانه والبعد عنه خير من قربه؛ لأنه يحفظ عليك زلاتك، ويماريك في صوابك، ولا تسلم من سوء عاقبة خلطته، ورب صرم جميل خير من مخالطة مؤذية. اهـ.
والصرم الجميل هو الهجر الذي لا يقارنه أذى ولا إساءة ولا عتاب؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الهجر الجميل هجر بلا أذى، والصفح الجميل صفح بلا عتاب، والصبر الجميل صبر بلا شكوى. اهـ.
وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير: الهجر الجميل هو الذي يقتصر صاحبه على حقيقة الهجر، وهو ترك المخالطة؛ فلا يقرنها بجفاء آخر أو أذى. اهـ.
والله أعلم.