الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقيام ليلة القدر ثوابه عظيم؛ لما يترتب عليه من مغفرة ما تقدم من الذنوب؛ ففي الحديث المتفق عليه -واللفظ للبخاري- قال صلى الله عليه وسلم: من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه.
والذى عليه المحققون من أهل العلم أن ليلة القدر تنتقل بين الأوتار من العشر الأواخر من رمضان, كما سبق تفصيله في الفتوى رقم: 140547, والفتوى رقم: 41038.
وعليه؛ فكون ليلة القدر ليلة سبع وعشرين, لا يمكن الجزم به.
ويحصل قيام ليلة القدر بقيام بعضها، أو ببعض الطاعات، كمدارسة العلم الشرعي مثلًا؛ قال المناوي في فيض القدير متحدثًا عما يحصل به إحياء ليالي رمضان: ويحصل بنحو تلاوة، أو صلاة، أو ذكر، أو علم شرعي، وكذا كل أخروي، ويكفي بمعظم الليل. انتهى.
وللمزيد عن هذا الموضوع راجع الفتوى رقم: 40871.
وعلى العموم؛ فإن فوات الطاعة قد يكون دافعًا للمسلم على الحرص على الإكثار من الطاعات مستقبلًا, وتدارك ما فاته, وقد يكون لأجل معصية ارتكبها, ولا يمكن الجزم في ذلك بشيء؛ فشؤم المعاصي قد يترتب عليه فوات بعض الطاعات؛ قال الإمام الغزالي في إحياء علوم الدين متحدثًا عن الأسباب المعينة على قيام الليل: الرابع: أن لا يحتقب، أي: يفعل الأوزار بالنهار؛ فإن ذلك مما يقسي القلب, ويحول بينه وبين أسباب الرحمة. قال رجل للحسن: يا أبا سعيد، إني أبيت معافى، وأحب قيام الليل، وأعد طهوري، فما بالي لا أقوم؟ فقال: ذنوبك قيدتك. انتهى.
وفي حاشية العدوي على الخرشي متحدثًا عن حبس الأضحية حتى يفوت وقتها المحدد شرعًا لذبحها: قوله: وقد أثم ... إلخ. أي: دل هذا الترك على أنه ارتكب ذنبًا يأثم فيه حتى فوته الله بسببه هذا الثواب؛ لأن الله يحرم الإنسان القربة بذنب أصابه، لا أن حبسها يوجب الإثم؛ لأنها سنة لا يأثم بتركها, أو المراد بآثم أنه فاته ثواب السنة. انتهى.
وراجع المزيد في الفتوى رقم: 130726.
والله أعلم.