الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فاعلم -وفقك الله- أن الله تعالى لا يظلم الناس شيئًا، ولا تضيع عنده مثاقيل الذر من الأعمال، وقد يعمل الشخص قليلًا ويؤجر كثيرًا، كما في الصحيح من حديث البراء ـ رضي الله عنه ـ قال: أتى النبي صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مُقَنَّعٌ بِالحَدِيدِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُقَاتِلُ أَوْ أُسْلِمُ؟ قَالَ: «أَسْلِمْ، ثُمَّ قَاتِلْ»، فَأَسْلَمَ، ثُمَّ قَاتَلَ، فَقُتِلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَمِلَ قَلِيلًا وَأُجِرَ كَثِيرًا».
وفضل الله لا حد له، فالله سبحانه ذو الفضل العظيم، والتائب الصادق في توبته إذا حصل له من الإخلاص، واليقين، وشدة الاجتهاد، والتشمير في السير إلى الله تعالى قد يسبق من لم يعمل الذنب، كما أوضحناه في الفتوى رقم: 252754.
فمن وجوه السبق: كثرة العمل؛ ولذا قال صلى الله عليه وسلم: خيركم من طال عمره، وحسن عمله. رواه أحمد، والترمذي.
ولكن قصير العمر قد يسبق بحسن العمل، وشدة السعي، والاجتهاد، والمنازل عند الله تتفاضل من وجوه كثيرة، فهون عليك، وشمِّر، واجتهد في سيرك إلى الله تعالى، عالمًا أنه لا تضيع عنده مثاقيل الذر، وسله طول العمر مع حسن العمل، وأخلص له سبحانه، فإن بالإخلاص تنال الدرجات العالية، وتدرك المنازل الرفيعة، ولا يزينن لك الشيطان أن العمر قد ضاع، وأنه لم تبق للطاعة والاجتهاد فائدة، فهذا من تسويله، وتزيينه الذي يريد أن يقعدك به عن الخير، ويصدك عن سبيل فلاحك وسعادتك، والعبد لا يدري أي العمل يقبل منه، فعلى العبد أن يحسن ظنه بربه، ويتوكل عليه، ويجتهد في السير إليه سبحانه، عالمًا أنه مهما تكن من حسنة فإنه تعالى يضاعفها، ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا -وفقنا الله وإياك لما فيه الخير-.
والله أعلم.