الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقول الذي نصره الشيخ المعلمي ـ رحمه الله ـ له حظ من النظر، والراجح عندنا هو قول جماهير أهل العلم ـ ومنهم المذاهب الأربعة ـ بصحة العقد على الصغيرة، كما سبق أن بيناه في الفتوى رقم: 195133، ونبهنا فيها على الخلاف في المسألة، وأنها ليست من المسائل القطعية، وعلى أن جمهور العلماء الذين يصححون العقد على الصغيرة، يستحبون أن ينتظر والدها بلوغها ليستأذنها، وذكرنا من كلام الشيخ ابن عثيمين ما يوافق كلام الشيخ المعلمي.
وأما دلالة الآية: وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ {الطلاق: 4}.
فلا تتعارض مع حديث: لا تنكح البكر حتى تستأذن. رواه البخاري.
فالحديث عام، والآية إنما تناولت خصوص الصغيرة التي لم تبلغ، لأنها ليس محلا للاستئذان، قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري: قال ابن المنذر: وفي هذا الحديث ـ يعني زواج النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة ـ دليل على أن نهيه عليه السلام، عن إنكاح البكر حتى تستأذن أنها البالغ التي لها إذن، إذ قد أجازت السنة أن يعقد الأب النكاح على الصغيرة التي لا إذن لها. اهـ.
وقال في شرح حديث عائشة: أنها قالت: يا رسول الله، إن البكر تستحي؟! قال: رضاها صمتها ـ قال: دل هذا الحديث على أن البكر التي أمر باستئذانها البالغ، إذ لا معنى لاستئذان من لا إذن لها، ومَنْ سكوتها وسخطها سواء. اهـ.
وقال الشوكاني في نيل الأوطار: المراد بالبكر التي أمر الشارع باستئذانها هي البالغة، إذ لا معنى لاستئذان الصغيرة لأنها لا تدري ما الإذن. اهـ.
وعلى أية حال، فباب الترجيح باب واسع، والتفصيل في مناقشة الأدلة والموازنة بينها محله كتب الفقه والبحوث العلمية، وأخيرا ننبه على أن حكم استئذان الوالد في الزواج لابنته البكر البالغة ـ فضلا عن الصغيرة ـ هو نفسه محل خلاف بين أهل العلم، والجمهور على استحباب الاستئذان في حق البكر، جاء في الموسوعة الفقهية: استئمار المرأة في تزويجها مطلوب شرعا، إما على سبيل الوجوب، بإجماع الفقهاء في الثيب الكبيرة العاقلة، وإما على سبيل الندب عند جمهور الفقهاء، للبكر البالغة العاقلة، وأوجب ذلك الحنفية. اهـ.
وفيها أيضا: مذهب المالكية والشافعية والحنابلة في الراجح عندهم: هو أن علة ولاية الإجبار هي البكارة، ولذلك يجوز للولي إجبار البكر البالغة العاقلة على النكاح، وتزويجها بغير إذنها كالصغيرة. اهـ.
وراجع في ذلك الفتويين رقم: 34871، ورقم: 301303.
والله أعلم.