الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن كلا من الزوجين مأمور شرعا بأن يحسن صحبة الآخر، كما قال تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ {البقرة:228}. وإنما يتم ذلك بأن يعرف كل منهما حق الآخر عليه، ويقوم به على أكمل وجه، ويمكن مطالعة الحقوق الزوجية في الفتوى رقم: 27662. وبهذا يؤسس الزوجان لحياة زوجية سعيدة، وأنتما في بداية مشوار الحياة الزوجية، ولذا تحتاجان مثل هذه الأسس. وتحكيم العقل مطلوب، لا تبادل الضرب والسباب، فعاقبة مثل هذه التصرفات وخيمة، وأقرب دليل على ذلك وقوع طلقتين في هذه الفترة القصيرة.
وعلى المرأة خاصة أن تعرف لزوجها قوامته عليها، وتعرف له قدره، وتطيعه في المعروف، قال تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ...{النساء:34}، ومعنى قانتات: مطيعات لأزواجهن، كما قال أهل العلم.
والأمر لا يقتضي الوصول إلى هذا الحد من العصبية، أو سوء التصرف، فقد وصف رب العالمين الحل عند نشوز الزوج، أو عند نشوز الزوجة، ويمكن مراجعة ذلك في الفتويين: 48969، 1103. ولا ريب أن الصبر، والدعاء من أفضل ما يمكن أن تتجاوز به المحن، فاصبر عليها، وتفاهم معها. وإذا بذلت الأسباب، وسعى المقربون لحل هذه المشكلة بكل سبيل، ولم يتمكنوا من ذلك، ولم يبق إلا الفراق، فلا بأس بذلك، وقد يكون الأفضل في هذه الحالة.
قال ابن قدامة في المغني: فإنه ربما فسدت الحال بين الزوجين، فيصير بقاء النكاح مفسدة محضة، وضررًا مجردًا، بإلزام الزوج النفقة، والسكنى، وحبس المرأة مع سوء العشرة، والخصومة الدائمة من غير فائدة، فاقتضى ذلك شرع ما يزيل النكاح؛ لتزول المفسدة الحاصلة منه. اهـ. وقد ينتقل كل من الزوجين بعد الفراق إلى حال أفضل، ففضل الله واسع، قال تعالى: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا {النساء:130}. قال القرطبي عند تفسيره هذه الآية: أي وإن لم يصطلحا، بل تفرقا فليحسنا ظنهما بالله، فقد يقيّض للرجل امرأة تقر بها عينه، وللمرأة من يوسع عليها. اهـ.
وننبه إلى أن الاتهام بالشذوذ أمر خطير، قد يتضمن نوعا من القذف، فيجب الحذر من التهاون، والإقدام على مثل هذا الاتهام، ولمعرفة حكم القذف، وعقوبته، راجع الفتوى رقم: 29732، وليس فيما ذكر من رؤية الرجل أخته وهي ترضع ولدها، دلالة على الشذوذ.
والله أعلم.