الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالفرق بين نسيت وأنسيت: أن نسيت من فعل المتكلم، وأنسيت من فعل غيره، أي أنساه غيره، ونسيت آية كذا لها معنيان:
أحدهما سيئ ينبغي تجنبه، وهو: الترك، ومعناها تركت آية كذا.
والمعنى الآخر هو: النسيان العادي الذي هو الذهول عنها من غير قصد لتركها.
أما أنسيتها: فمعناها أن الله تعالى هو الذي أنسانيها، وهو من إضافة النسيان إلى خالقه؛ ولذلك يكره للمسلم أن يقول: نسيت آية كذا تجنبًا للمعنى السيء الذي هو الترك، وهذا الذي ورد النهي عنه في الحديث الصحيح، قال صلى الله عليه وسلم: بِئْسَمَا لِأَحَدِهِمْ يَقُولُ: نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ، بَلْ هُوَ نُسِّيَ، اسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ، فَلَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ، مِنَ النَّعَمِ بِعُقُلِهَا.
قال النووي في شرح مسلم: وَفِيهِ كَرَاهَةُ قَوْلِ نَسِيتُ آيَةَ كَذَا، وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ، وَأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ قَوْلُ أُنْسِيتُهَا، وَإِنَّمَا نُهِيَ عَنْ نَسِيتُهَا؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ التَّسَاهُلَ فِيهَا، وَالتَّغَافُلَ عنها، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا.
وقال ابن هبيرة في الإفصاح عن معاني الصحاح: في هذا الحديث من الفقه أن الكلمة إذا كانت تحتمل معنيين: أحدهما يتضمن سوء أدب، فالأولى أن يعدل الإنسان عنها إلى كلمة لا تحتمل إلا معنى واحدًا خارجًا عما يحذر، فإن قوله: بئسما لأحدهم أن يقول نسيت ـ فإن نسيت تكون بمعنى تركت، ولا ينبغي لأحد أن يقول: تركت آية كذا وكذا، فإذا قال: نسيت آية كذا وكذا ـ خلص قوله من الاحتمال.
والله أعلم.