الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإننا نسأل الله تعالى أن يديم نعمة الأمن، والاستقرار، والعافية على سائر بلاد المسلمين، وأن يعيد تلك النعمة إلى من فقدوها منهم، ونؤكد الوصية لعموم المسلمين- وخاصة الشباب- بالسعي إلى حفظ تلك النعمة، وتوفيرها، والحذر كل الحذر مما يزيلها، أو يزلزلها، فإنها إن فقدت ـ نسأل الله العافية ـ ضاع أمر الدين والدنيا جميعًا -كما هو مشاهد-.
وبخصوص السؤال: فإن الشهيد في سبيل الله تعالى بمنزلة عظيمة؛ لأنه قدم أغلى ما يملك ابتغاء ثواب الله تعالى، واختار الحياة الأخروية الخالدة على الحياة الدنيوية القصيرة الفانية، وقد أخرج البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجنة مائة درجة، أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة، ومنه تفجر أنهار الجنة، وفوقه عرش الرحمن.
وأخرج أبو داود في سننه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لما أصيب إخوانكم بأحد، جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم، ومشربهم، ومقيلهم قالوا: من يبلغ إخواننا عنا أنا أحياء في الجنة نرزق؛ لئلا يزهدوا في الشهادة، ولا ينكلوا عن الحرب؟ فقال الله تعالى: أنا أبلغهم عنكم، وأنزل الله تعالى: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ* فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ. اهـ.
وقال صلى الله عليه وسلم: للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه. رواه الترمذي، وأحمد، وابن ماجه.
وقول السائل: هل منزلة الشهداء هي أعظم منزلة في الجنة...؟
الجواب عنه: أن درجة الرسول، والصديق أعلى من درجة الشهيد، قال تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً {النساء:69}، قال ابن كثير- رحمه الله تعالى-: ولا شك أن الصديق أعلى مقامًا من الشهيد، كما رواه مالك عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا: إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم، قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال: بلى، والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله، وصدقوا المرسلين. اهـ. والحديث رواه الشيخان أيضًا.
وفي خصوص سؤالك: كيف أموت شهيدًا؟
فجوابه: أن الشهادة قد لا تتاح لكل شخص؛ لأن الجهاد من أصله يتطلب من الشروط ما قد لا يتوفر في كل وقت، ولكن المرء إذا صدق مع الله في نية الجهاد في سبيله، فإن الله يبلغه ذلك بفضله، وكرمه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: من سأل الله الشهادة بصدق، بلغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه. أخرجه مسلم. وأخرج أحمد، ومسلم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من طلب الشهادة صادقًا أعطيها، ولو لم تصبه.
وفي مصنف عبد الرزاق: أن عمر بن الخطاب قال: اللهم إني أسالك شهادة في سبيلك، في مدينة رسولك صلى الله عليه وسلم ـ ورزق الشهادة بصدق نيته.
ثم ننبه السائل الكريم إلى أنه قد وردت آثار تدل على أن المؤمن بفعله للصالحات، وتركه للمحرمات يكون شهيدًا، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 17168.
ولمزيد من الفائدة راجع الفتاوى التالية أرقامها: 102618، 34588، 121341.
والله أعلم.