الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فزوجك هذا -إن كان هذا حاله- فهو مسيء للعشرة، وربه سبحانه يأمره بحسن عشرتك، كما قال: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا {النساء:19}. وقد أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- بحسن صحبة الزوجات فقال: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي". رواه الترمذي عن عائشة -رضي الله عنها-، وابن ماجه عن ابن عباس -رضي الله عنهما-.
وقد أحسنت بصبرك عليه، ونوصيك بكثرة الدعاء له بأن يحسن الله أخلاقه، ويرزقه الحلم والصبر؛ فالدعاء من أهم ما يُحقَّق به المبتغى ويُدفَع به المكروه، وقد أحسنت بعدم التعجل إلى الطلاق؛ فليس الطلاق بأول الحلول، بل قد يكون الحل في غيره.
وقد ندب الله تعالى إلى الإصلاح حيث قال: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا {النساء:128}.
ثم إذا استحالت العشرة، وضاق الحال، وكان عيش المرأة مع زوجها في نكد وسوء حال لا يحتمل، فقد يكون الأفضل في حقها طلب الطلاق؛ قال ابن قدامة في المغني: فإنه ربما فسدت الحال بين الزوجين، فيصير بقاء النكاح مفسدة محضة، وضررًا مجردًا، بإلزام الزوج النفقة، والسكنى، وحبس المرأة مع سوء العشرة، والخصومة الدائمة من غير فائدة، فاقتضى ذلك شرع ما يزيل النكاح؛ لتزول المفسدة الحاصلة منه. اهـ.
وبعد الفراق يمكن أن يكون كل من الزوجين في سعة وصلاح حال، قال تعالى: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا {النساء:130}. قال القرطبي عند تفسيره هذه الآية: أي: وإن لم يصطلحا، بل تفرقا، فليحسنا ظنهما بالله؛ فقد يقيّض للرجل امرأة تقر بها عينه، وللمرأة من يوسع عليها. اهـ.
والله أعلم.