الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فهذا الحديث، حديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتقدم تخريجه في الفتوى رقم: 71993
وما ذكرته في سؤالك في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من غسل واغتسل" بأنه من تسبب في غسل زوجته، فهو أحد الأوجه في معناه، وهو على رواية من روى لفظ "غسل" بالتشديد. ولكن الرواية التي رجحها المحققون من أهل العلم، هي رواية التخفيف، والتي هي بمعنى غسل الرأس.
فقد قال النووي -رحمه الله- في شرح المهذب، مرجحا رواية التخفيف: رُوي "غَسَل" بتخفيف السين، وتشديدها، روايتان مشهورتان، والأرجح عند المحققين بالتخفيف، فعلى رواية التشديد في معناه ثلاثة أوجه:
أحدهما: غَسَّل زوجته بأن جامعها، فألجأها إلى الغسل، واغتسل هو، قالوا: ويستحب له الجماع في هذا اليوم؛ ليأمن أن يَرَى في طريقه ما يَشغَلُ قلبه. والثاني: أن المراد غَسَّلَ أعضَاءَهُ في الوضوء ثلاثًا ثلاثًا، ثم اغتسل للجمعة.
والثالث: غَسَّل ثيابه ورأسه، ثم اغتسل للجمعة.
وعلى رواية التخفيف في معناه هذه الأوجه الثالثة:
أحدها: الجماع، قاله الأزهري، قال: ويقال: غَسَل امرأته: إذا جامعها.
والثاني: غَسَلَ رأسه وثيابه.
والثالث: توضأ.
وذكر بعض الفقهاء "عَسَّلَ" بالعين المهملة، وتشديد السين: أي جامع شبّه لذة الجماع بالعسل، وهذا غلط، غير معروف في روايات الحديث، وإنما هو تصحيف.
والمختار ما اختاره البيهقي، وغيره من المحققين أنه بالتخفيف، وأن معناه غسل رأسه، وتؤيده رواية لأبي داود في هذا الحديث: "من غسل رأسه يوم الجمعة، واغتسل ... ". ورَوَى أبو داود في "سننه" والبيهقي هذا التفسير عن مكحول، وسعيد بن عبد العزيز. قال البيهقي: وهو بَيِّنٌ في رواية أبي هريرة -رضي الله عنه-، وابن عباس -رضي الله عنهما-، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وإنما أفرد الرأس بالذكر؛ لأنهم كانوا يَجْعَلُونَ فيه الدُّهْنَ، وَالْخِطْمِيَّ وَنَحْوَهُمَا، وَكَانُوا يغسلونه أوّلًا، ثم يغتسلون. انتهى محل الحاجة من كلام النووي.
ويتحقق فضل التبكير إلى صلاة الجمعة، ويرتب عليه الثواب بالحضور إلى المسجد قبل صعود الإمام المنبر بوقت ولو قلَّ, فمن دخل المسجد يوم الجمعة قبل صعود الخطيب، فإنه يدرك فضيلة التبكير للجمعة، ويشمله التسجيل في صحف الملائكة، غير أنه كلما كان أكثر تبكيرا إلى المسجد، رُجِي له من الأجر أكثر، ومن لم يحضر إلا بعد صعود الخطيب المنبر، فلا يشمله التسجيل في صحف الملائكة المكلفين بكتابة المبكرين لصلاة الجمعة، لكن تجزئه الجمعة، ويكتب له ثواب ما حضره من ذكر، ودعاء، وصلاة ونحوها. وهذا الثواب يكتبه الملائكة الحفظة، الذين يلازمون الإنسان، ويكتبون سائر أعماله من خير وشر، وانظر الفتويين: 265972 // 179441
ويبدأ التبكير من طلوع الشمس, وقيل من طلوع الفجر، وقيل غير ذلك، وانظر أقوال الفقهاء حول هذا الموضوع، وحول تقسيم ساعات الجمعة الفتوى رقم: 236128.
والله أعلم.