الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا مشروعية اقتداء المفترض بالمتنفل، وذكرنا فيها أن ذلك هو الراجح من قولي أهل العلم في هذه المسألة لما ثبت من فعل معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ أنه كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء ثم يرجع إلى قومه فيؤمهم في صلاة العشاء. وانظر الفتوى رقم: 111010.
وأما ما يتعلق بسؤالك عما هو المشروع في حق المتنفل ليلا إذا ائتم به شخص هل يجهر بالقراءة أم يسر؟ فالجواب أن الأمر في ذلك واسع، على اعتبار أن حكمه في حالته هذه كحمكه لو كان منفردا، فلو جهر بقراءته في نوافل الليل فلا حرج، بل هو أولى إن كان لإسماع من ائتم به، ولو أسر فلا حرج، خاصة إن كان في المسجد من يخشى أن يشوش عليه الجهر، قال ابن قدامة في بيان حكم الجهر والإسرار في نافلة الليل: (وهو مخير بين الجهر بالقراءة والإسرار بها، إلا أنه إن كان الجهر أنشط له في القراءة، أو كان بحضرته من يستمع قراءته أو ينتفع بها فالجهر أفضل، وإن كان قريباً منه من يتهجد، أو من يستضر برفع صوته فالإسرار أولى، وإن لم يكن هذا ولا هذا فليفعل ما شاء. انتهى.)
وجاء في كشاف القناع: (و) المتطوع (ليلا يراعي المصلحة فإن كان الجهر أنشط في القراءة، أو بحضرته من يستمع قراءته أو ينتفع بها فالجهر أفضل) لما يترتب عليه من هذه المصالح (وإن كان بقربه من يتهجد أو يستضر برفع صوته) من نائم أو غيره (أو خاف رياء فالإسرار أفضل) دفعا لتلك المفسدة. انتهى .
وقد رجح الشيخ ابن عثيمين إسراره لاعتبار آخر، ذكره في جواب سؤال مشابه لسؤالك، حيث قال: ...وإن كانت الصلاة جهرية يعني كصلاة الليل فالظاهر أنه يبقى على إسراره لأن محافظته على ما يشرع في صلاته أولى من محافظته على ما يشرع في صلاة غيره، والجهر والإسرار ليس بالأمر الواجب حتى نقول إنه يجب أن يجهر أو يجب أن يسر، فإن أسر فلا بأس وهو الأرجح عندي، وإن جهر فلا بأس. انتهى من فتاوى نور على الدرب.
والله أعلم.