الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالرضاع الذى يثبت به التحريم, وينشر الحرمة, لابد أن يكون خمس رضعات مشبعات على القول الراجح, ويرجع في قدر الرضعة إلى عرف الناس، وضابطها أن يلتقم الصبي الثدي، فيرتضع منه حتى يترك الرضاع باختياره من غير عارض يعرض له، فإن حصل ذلك خمس مرات، فقد حصل الإرضاع المحرِّم على المفتى به عندنا, قال ابن قدامة في المغني: المسألة الأولى: أن الذي يتعلق به التحريم خمس رضعات فصاعدًا، هذا الصحيح من المذهب، وهو مذهب الشافعي، ثم قال: والمرجع في معرفة الرضعة إلى العرف، لأن الشرع ورد بها مطلقًا ولم يحددها بزمن ولا مقدار، فدل ذلك على أنه ردهم إلى العرف، فإذا ارتضع الصبي وقطع قطعًا بينًا باختياره كان ذلك رضعة، فإن عاد كانت رضعة أخرى، فأما إن قطع لضيق نفس، أو للانتقال من ثدي، أو لشيء يلهيه، أو قطعت عليه المرضعة، فإن لم يعد قريبًا، فهي رضعة، وإن عاد في الحال، ففيه الوجهان، أحدهما: أن الأول رضعة، فإذا عاد فهي رضعة أخرى، قال: والوجه الثاني: أن جميع ذلك رضعة، وهو قول الشافعي. انتهى.
وفي حال حصول شك في عدد الرضاع هل هو أربع, أم خمس؟ لم يثبت التحريم, لأن الأصل عدمه حتى يثبت بيقين، قال ابن قدامة في المغني: وإذا وقع الشك في وجود الرضاع، أو في عدد الرضاع المحرم، هل كمل أو لا؟ لم يثبت التحريم لأن الأصل عدمه، فلا نزول عن اليقين بالشك. اهـ.
وجاء في فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب لسليمان الجمل: قوله: ولا مع الشك فيها ـ المراد بالشك مطلق التردد، فيشمل ما لو غلب على الظن حصول ذلك لشدة الاختلاط كالنساء المجتمعة في بيت واحد، وقد جرت العادة بإرضاع كل منهن أولاد غيرها وعلمت الإرضاع، لكن لم تتحقق كونه خمسا، فليتنبه له، فإنه يقع في زماننا كثيرا. اهـ.
وبناء على ما سبق, فإذا كنت تشكين في عدد الرضعات هل هو أربع, أم خمس, أو كانت كل رضعة لا تصل إلى ماهية الرضعة المعتبرة شرعا, فإن التحريم لم يثبت شرعا, وعلى هذا فيجوز لابنك الزواج ببنت خالته إذا لم يثبت بينهما رضاع من جهة أخرى.
والله أعلم.