الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نجد هذه المعاهدة بهذا اللفظ في شيء من كتب الحديث، أو السيرة، وإنما وجدناها بعضًا في الطبقات لابن سعد، وفي دلائل النبوة للبيهقي.
وأما ما جاء في هذا السؤال: فقد تضمن أشياء مخالفة لما ثبت في السنة، والسيرة، ومن ذلك ما تضمنه من إسقاط الجزية عنهم، ومن شمول المعاهدة لسائر من ينتحل دين النصرانية في أقطار الأرض، فقد ثبت أخذ الجزية من نصارى نجران، وغيرهم، وكذلك ما جاء فيه من حراسة دينهم، وملتهم، فهذا باطل قطعًا، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: وقد ذكر ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عليًّا إلى أهل نجران ليأتيه بصدقاتهم، وجزيتهم، وهذه القصة غير قصة أبي عبيدة؛ لأن أبا عبيدة توجه معهم، فقبض مال الصلح ورجع، وعلي أرسله النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يقبض منهم ما استحق عليهم من الجزية، ويأخذ ممن أسلم منهم ما وجب عليه من الصدقة ـ والله أعلم ـ وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف من طريق جَرِير، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قال: لما أراد رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم أن يلاعن أهل نجران، قبلوا الجزية أن يعطوها. اهـ.
ونص الكتاب في الطبقات الكبرى لابن سعد: وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل نجران: هذا كتاب من محمد النبي رسول الله لأهل نجران أنه كان له عليهم حكمه في كل ثمرة صفراء، أو بيضاء، أو سوداء، أو رقيق فأفضل عليهم، وترك ذلك كله على ألفي حلة حلل الأواقي، في كل رجب ألف حلة، وفي كل صفر ألف حلة، كل حلة أوقية، فما زادت حلل الخراج، أو نقصت على الأواقي، فبالحساب، وما قبضوا من دروع، أو خيل، أو ركاب، أو عرض أخذ منهم فبالحساب، وعلى نجران مثواة رسلي عشرين يومًا، فدون ذلك، ولا تحبس رسلي فوق شهر، وعليهم عارية ثلاثين درعًا، وثلاثين فرسًا، وثلاثين بعيرًا إذا كان باليمن كيد، وما هلك مما أعاروا رسلي من دروع، أو خيل، أو ركاب فهو ضمان على رسلي حتى يؤدوه إليهم، ولنجران وحاشيتهم جوار الله، وذمة محمد النبي رسول الله على أنفسهم، وملتهم، وأرضهم، وأموالهم، وغائبهم، وشاهدهم، وبيعهم، وصلواتهم لا يغيروا أسقفًا عن أسقفيته، ولا راهبًا عن رهبانيته، ولا واقفًا عن وقفانيته، وكل ما تحت أيديهم من قليل، أو كثير وليس ربا، ولا دم جاهلية، ومن سأل منهم حقًّا فبينهم النصف غير ظالمين، ولا مظلومين لنجران، ومن أكل ربا من ذي قبل فذمتي منه بريئة، ولا يؤاخذ أحد منهم بظلم آخر، وعلى ما في هذه الصحيفة جوار الله، وذمة النبي أبدًا حتى يأتي الله بأمره إن نصحوا، وأصلحوا فيما عليهم، غير مثقلين بظلم، شهد أبو سفيان بن حرب، وغيلان ابن عمرو، ومالك بن عوف النصري، والأقرع بن حابس، والمستورد بن عمرو أخو بلي، والمغيرة بن شعبة، وعامر مولى أبي بكر. اهـ.
وفي دلائل النبوة للبيهقي: بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ما كتب محمد النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم لنجران إذ كان عليهم حكمه في كل ثمرة، وكل صفراء، وبيضاء، وسوداء، ورقيق، وأفضل عليهم، وترك ذلك كله على ألفي حلة من حلل الأواقي، في كل رجب ألف حلة، وفي كل صفر ألف حلة، ومع كل حلة أوقية من الفضة، فما زادت على الخراج، أو نقصت عن الأواقي فبالحساب، وما قضوا من دروع، أو خيل، أو ركاب، أو عروض أخذ منهم بالحساب، وعلى نجران مؤنة رسلي ومتعتهم ما بين عشرين يومًا فدونه، ولا تحبس رسلي فوق شهر، وعليهم عارية ثلاثين درعًا، وثلاثين فرسًا، وثلاثين بعيرًا إذا كان كيد، ومعرة، وما هلك مما أعاروا رسلي من دروع، أو خيل، أو ركاب فهو ضمان على رسلي حتى يؤدوه إليهم، ولنجران، وحاشيتها جوار الله، وذمة محمد النبي على أنفسهم، وملتهم، وأرضيهم، وأموالهم، وغائبهم، وشاهدهم، وعشيرتهم، وبيعهم، وأن لا يغيروا مما كانوا عليه، ولا يغيروا حقًّا من حقوقهم، ولا ملتهم، ولا يغيروا أسقفًا عن أسقفيته، ولا راهبًا من رهبانيته، ولا واقهًا من وقيهاه، وكل ما تحت أيديهم من قليل، أو كثير، وليس عليهم دنية، ولا دم جاهلية، ولا يحشرون، ولا يعشرون، ولا يطأ أرضهم جيش، ومن سأل فيهم حقًّا فبينهم النصف غير ظالمين، ولا مظلومين بنجران، ومن أكل ربا من ذي قبل، فذمتي منه بريئة، ولا يؤخذ منهم رجل بظلم آخر، وعلى ما في هذه الصحيفة جوار الله عز وجل، وذمة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبدًا حتى يأتي الله بأمره، ما نصحوا، وأصلحوا فيما عليه، غير مثقلين بظلم، شهد أبو سفيان بن حرب، وغيلان بن عمرو، ومالك بن عوف من بني نصر، والأقرع بن حابس الحنظلي، والمغيرة. اهـ.
والله أعلم.