الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فما من شيء في هذا الكون إلا وهو كائن بقضاء الله وقدره، ولذا نقول ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، قال تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49}، ولمزيد من الأدلة بهذا الخصوص، راجعي الفتوى رقم: 53987. هذا أولا.
ثانيا: المعاصي يمكن أن تكون سببا في المصائب التي تصيب الإنسان، ولكن لا يلزم في كل مصيبة أن تكون بسبب ذنب، فقد يكون الأمر مجرد ابتلاء يبتلي به عبده؛ ليعلم الصابرين من غيرهم، قال تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ {محمد:31}، وإذا صبر المسلم نال كثيرا من خير الدنيا والآخرة، وانظري في فضل الصبر، الفتوى رقم: 18103. ويمكن أن يكون عدم النجاح بسبب عدم الأخذ بالأسباب الكافية.
ثالثا: أن النجاح الذي حققه زملاؤك في الامتحان، لا يمكنك الجزم فيه بأنهم فعلوا من الأسباب مثل ما فعلت، وقد يكون فيهم من الذكاء، وقوة الحفظ والاستيعاب ما ليس عندك، وقد يعطيهم الله من النجاح والتفوق، ابتلاء واختبارا، فنصيحتنا أن لا تشغلي نفسك بالتفكير في حالهم، بل الأولى أن تصرفي نفسك إلى التفكير فيما ينفعك.
رابعا: أن رب العزة والجلال يحكم بما يشاء، ويفعل ما يريد، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه. فهو إن وفق فلحكمة، وإن خذل فلحكمة. فلا يجوز التعقيب على حكمه، ولا التدخل في شأنه، قال تعالى: وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ {الرعد:41}، وقال: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ {القصص:68}. وإحسان المسلم ظنه بربه واجب، وإساءته الظن به سبحانه محرم، وهي من صفات أهل النفاق والشرك التي يربأ المؤمن والمؤمنة أن يتصف بها، قال سبحانه عن المنافقين: وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا {الفتح:6}.
خامسا: أن الفشل في الدراسة، لا يعني بالضرورة الفشل في الحياة بكاملها، فمن يفشل فيها في مجال، يمكن أن يكون ناجحا فيها في مجال آخر. فليس الشأن في ذلك، بالشأن الخطير الذي يجعلك في هذا الحال من الإحباط. والأسوأ والأخطر أن يؤدي بك إلى هذا الحد، نعني قولك: ( شعرت بأن الله خذلني بعد ما كنت أطمع في كرمه...) وقولك: ( أصبحت لا أستغفر، ولا أدعو من فترة طويلة، وأشعر بالذنب جدا ..). فهل الأمر يستحق كل هذا؟!
سادسا: ما يزال المجال للنجاح أمامك مفتوحا، فابذلي من الأسباب القدر الكافي، فقد اعترفت بتقصيرك في الفترة الماضية، وأنك لم تبذلي الجهد المطلوب، وأنك تهملين، ولا تذاكرين إلا قرب الامتحانات، وهذا قد لا يتحقق به المطلوب مهما بذلت من جهد عند قرب الامتحان. ثم إنك لا غنى لك عن ربك مهما اجتهدت، فأحسني الظن به، واحرصي على التوكل عليه، وطلب العون منه، فبذلك يتحقق النجاح بإذن الله، روى مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن القوي خير، وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير. احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا. ولكن قل قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان.
وقد أحسن الشاعر حين قال:
إذا لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهادهُ
وننبهك في الختام إلى النظر في أمر التخصص، واختيار المناسب منه، فقد لا تكون مواد الشعبة العلمية تتناسب مع رغباتك، أو قدراتك، فينبغي حينئذ الاختيار المناسب، وما يمكن أن يكون سبيلا للتقدم.
والله أعلم.