الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فأما الثبات على الطاعة، والاستقامة، والتخلص من طول الأمل، فإنه يحصل بأمور، منها:
دوام اللجأ إلى الله تعالى، والابتهال إليه، ودعائه أن يثبت القلب على دينه، فإن قلوب العباد بين إصبعين من أصابعه -سبحانه- يقلبها كيف يشاء.
ومن ثم؛ كان من دعاء الراسخين في العلم: رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ {آل عمران:8}.
ومنها: التفكر في أسماء الرب -سبحانه- وصفاته؛ فإن هذا من أعظم ما يزيد الإيمان في القلب، ويعمق حب الله فيه.
ومنها: الفكرة في الموت، وما بعده من الأهوال العظام، والخطوب الجسام، والعلم بأن الأجل إذا جاء لا يتقدم ولا يتأخر، وبأن الموت لا يفرق بين شاب وشيخ، فكأي من شاب اخترمه الأجل، وأنت ترى مصارع الناس بين يديك، وفيهم من الشباب من لا يحصى، فمثل نفسك موضعهم، وأنك صرت إلى ما صاروا إليه، وأن منيتك قد أدركتك، ثم استحضر ما يؤول إليه أمرك من الندامة على التفريط؛ حتى كأنك تقول: رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ {المؤمنون:100،99}. فاحذر هذا المصرع، وذلك المصير، وبادر الموت بصالح العمل قبل أن يبادرك، وأنت في غفلتك لاهٍ، وفي غيك سادر.
ومنها: المبادرة بالتوبة النصوح، والعلم أن تسويف التوبة لا يجر إلا الندامة، وأن من عجز عن التوبة اليوم فهو عنها في غده أعجز، إن لم يتداركه الله برحمته، وأن وقت القوة والشباب هو أفضل الأوقات التي تستغل، وتغتنم في طاعة الله تعالى؛ فإن القوى إذا ضعفت، والأجسام إذا وهنت لم تساعد النفس على مرادها من الجد في الطاعة.
ومنها: مصاحبة الأخيار، والصالحين الذين تعين صحبتهم على طاعة الله تعالى، فهم يذكرون العبد إذا نسي، وينبهونه إذا غفل، ويأخذون بيده إلى طرق الخير، وترك مصاحبة الأشرار الذين لا تجلب صحبتهم إلا العار، والشنار، وليعلم العبد أن كل مخالة، ومصادقة في الدنيا كانت على غير طاعة الله، ومرضاته، فإنها تنقلب على صاحبها عداوة، وخزيًا يوم القيامة، كما قال تعالى: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ {الزخرف:67}.
ومنها: لزوم ذكر الله تعالى، ومجاهدة النفس على فعل العبادات، والتقرب بعد الفرائض بنوافل العبادات؛ فإن من لا يزال كذلك ينال درجة المحبوبية، حتى يكون الله تعالى هو سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سأله ليعطينه، ولئن استعاذه ليعيذنه، كما ثبت في الحديث القدسي المشهور.
ومنها: التفكر في آثار الطاعات الحميدة؛ من راحة القلب، وطمأنينة النفس، وسعة الرزق، وتيسير الأمور، والتفكر في عواقب المعاصي القبيحة المذمومة؛ من ظلمة الوجه، وسواد القلب، وضيق الرزق، وتعسير الأمور، وغير ذلك.
فدوام الفكرة في شؤم عاقبة المعاصي من أعظم ما يبعث على تركها، والتوبة منها، والإنابة إلى الله تعالى، والإقبال على طاعته.
ومن أنفع ما تستعين به في هذا الباب مطالعة كتاب الداء والدواء للإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى-.
ومنها: التفكر في سرعة زوال الدنيا، وأنها مهما طالت، وطال مقام المرء بها، فإنها ليست إلا كنفَس من أنفاس الآخرة، وأنها أهون، وأحقر عند الله تعالى من جناح البعوضة، فكيف يؤثر العاقل هذا الخسيس الفاني على الكثير الباقي، والنعيم الذي لا ينفد، ولا يزول؟!
فهذه بعض الوسائل المعينة على الثبات على الطاعة وترك طول الأمل -نسأل الله أن يعيننا وإياك على طاعته، وأن يثبت قلوبنا على دينه-.
والله أعلم.