الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد فسر علماء التفسير قول الله تعالى: وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ {هود:48}، بالأمم التي تجيء من بعد نوح من ذرية أولاده وهم المؤمنون من جميع الأجناس، وفسرها بعضهم بالآدميين وغيرهم من الأزواج التي حملها نوح معه في السفينة، فبارك الله في الجميع، حتى ملأوا أقطار الأرض ونواحيها.
جاء في تفسير الإمام الطبري: (وعلى أمم ممن معك)، يقول: وعلى قرون تجيء من ذرية من معك من ولدك، فهؤلاء المؤمنون من ذرية نوح الذين سبقت لهم من الله السعادة، وبارك عليهم قبل أن يخلقهم في بطون أمهاتهم وأصلاب آبائهم، ثم أخبر تعالى ذكره نوحًا عما هو فاعل بأهل الشقاء من ذريته، فقال له: (وأمم)، يقول: وقرون وجماعة (سنمتعهم) في الحياة في الدنيا، يقول: نرزقهم فيها ما يتمتعون به إلى أن يبلغوا آجالهم (ثم يمسهم منا عذاب أليم)، يقول: ثم نذيقهم إذا وردوا علينا عذابًا مؤلمًا موجعًا.
وجاء في تفسير الخازن: (وعلى أمم ممن معك) يعني: وعلى ذرية أمم ممن كانوا معك في السفينة، والمعنى وبركات عليك وعلى قرون تجيء من بعدك من ذرية أولادك وهم المؤمنون.
وجاء في تفسير القرطبي: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: نُوحٌ آدَمُ الْأَصْغَرُ، فَجَمِيعُ الْخَلَائِقِ الْآنَ مِنْ نَسْلِهِ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إِلَّا مَنْ كَانَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ، عَلَى قَوْلِ قَتَادَةَ وَغَيْرِهِ.
وجاء في التحرير: وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ. وَالْأُمَمُ: جَمْعُ أُمَّةٍ، وَالْأُمَّةُ: الْجَمَاعَةُ الْكَثِيرَةُ مِنَ النَّاسِ... وَلَيْسَ الَّذِينَ رَكِبُوا فِي السَّفِينَةِ أُمَمًا لِقِلَّةِ عَدَدِهِمْ؛ لِقَوْلِهِ: وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ.
وعلى ذلك فالمراد بقوله تعالى: وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ {هود:48}: أولاد نوح، سموا أمماً لتشعب الأمم منهم، ويدخل في هذا جميع المؤمنين من أولاد نوح من كل الأجناس والألوان إلى يوم القيامة، أو المعنى: وعلى أمم ناشئة ممن معك من الآدميين وغيرهم.
والله أعلم.