الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان الذنب متعلقا بحق الله تعالى فالمشروع هو الستر على هذا المذنب لا فضيحته والسعي في هتك ستره، وأما ما كان من الذنوب متعلقا بحقوق الآدميين فإن اتهم شخص آخر بأخذ حق من حقوقه كأن اتهمه بسرقة أو نحوها فلا بد من أن يأتي ببينة على دعواه تلك؛ لأن البينة على المدعي، فإن لم يأت ببينة ولم يعترف المتهم فإنه يحلف ويخلى سبيله، وذهب بعض العلماء إلى أنه إن قامت قرينة قوية على اتهامه جازت أذيته بما يمكن معه أن يعترف بالحق الذي عليه.
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: وَأَمَّا ضَرْبُ الْمُتَّهَمِ إذَا عُرِفَ أَنَّ الْمَالَ عِنْدَهُ - وَقَدْ كَتَمَهُ وَأَنْكَرَهُ - فَيُضْرَبُ لِيُقِرَّ بِهِ فَهَذَا لَا رَيْبَ فِيهِ، فَإِنَّهُ ضرب لِيُؤَدِّيَ الْوَاجِبَ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى وَفَائِهِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا صَالَحَ أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى الصَّفْرَاءِ وَالْبَيْضَاءِ، سَأَلَ زَيْدَ بْنَ سَعِيدٍ عَمَّ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ - فَقَالَ: أَيْنَ كَنْزُ حُيَيٍّ؟ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَذْهَبَتْهُ النَّفَقَاتُ، فَقَالَ لِلزُّبَيْرِ: دُونَكَ هَذَا، فَمَسَّهُ الزُّبَيْرُ بِشَيْءٍ مِن الْعَذَابِ، فَدَلَّهُمْ عَلَيْهِ فِي خَرِبَةٍ، وَكَانَ حُلِيًّا فِي مَسْكِ ثَوْرٍ» فَهَذَا أَصْلٌ فِي ضَرْبِ الْمُتَّهَمِ. انتهى.
وقال أيضا رحمه الله: وَكَثِيرٌ مِنْ الْقَرَائِنِ وَالْأَمَارَاتِ أَقْوَى مِن النُّكُولِ، وَالْحِسُّ شَاهِدٌ بِذَلِكَ، فَكَيْفَ يَسُوغُ تَعْطِيلُ شَهَادَتِهَا؟ وَمِنْ ذَلِكَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ الزُّبَيْرَ أَنْ يُقَرِّرَ عَمَّ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ بِالْعَذَابِ عَلَى إخْرَاجِ الْمَالِ الَّذِي غَيَّبَهُ، وَادَّعَى نَفَادَهُ فَقَالَ لَهُ: الْعَهْدُ قَرِيبٌ، وَالْمَالُ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ، فَهَاتَانِ قَرِينَتَانِ فِي غَايَةِ الْقُوَّةِ: كَثْرَةُ الْمَالِ، وَقِصَرُ الْمُدَّةِ الَّتِي يُنْفَقُ كُلُّهُ فِيهَا. انتهى.
على أن تقرير هذه العقوبات وتنفيذها حيث وجدت القرينة ودعت لذلك المصلحة مرده إلى ولي الأمر، لا إلى آحاد الناس؛ كما هو معلوم لا يخفى.
والله أعلم.