الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فهنالك خلاف قوي بين الفقهاء في حكم تغطيه الوجه، والمرجح عندنا قول من ذهب إلى الوجوب، وقد أوضحنا ذلك بأدلته في الفتوى رقم: 4470. وإن كنت طالبة علم، وأمكنك الترجيح بين الأقوال، فاعملي بما ترجح عندك، فقد قال أحد السلف: "قد أحسن من انتهى إلى ما سمع". وإن لم يكن بإمكانك الترجيح بين الأقوال، فاعملي بقول من تثقين بدينه وعلمه.
والأخذ بقول من ذهب إلى جواز كشف الوجه إن كان لاعتبار صحيح فلا بأس بذلك، وإن كان تتبعًا للرخصة وللتشهي فلا يجوز، وإن كان لحاجة ودفعًا للحرج فيجوز الأخذ به، وانظري الفتوى رقم: 134759. والتأخير حتى الزواج ليس مسوغًا شرعيًّا للأخذ بالرخصة.
وفساد الزمان يراد به كثرة الفسق وانتشاره لرقة الدين، وضعف الوازع الإيماني، وانعدام الرادع السلطاني. وقد أفتى علماء الحنفية والمالكية منذ زمن بعيد أنه يجب عليها سترهما عند خوف الفتنة بها أو عليها. والمراد بالفتنة بها: أن تكون المرأة ذات جمال فائق، والمراد بخوف الفتنة عليها أن يفسد الزمان، بكثرة الفساد، وانتشار الفساق، وعلى هذا يمكن أن يقال إن فقهاء المذاهب الأربعة متفقون على وجوب ستر وجه المرأة عند خوف الفتنة وفساد الزمن.
قال في مجمع الأنهر (1/81): (وفي المنتقى: تمنع الشابة عن كشف وجهها لئلا يؤدي إلى الفتنة، وفي زماننا المنع واجب، بل فرض لغلبة الفساد. وعن عائشة -رضي الله تعالى عنها-: جميع بدن الحرة عورة إلا إحدى عينيها فحسب لاندفاع الضرورة).
وفي الدر المختار (1/406): (وتمنع) المرأة الشابة (من كشف الوجه بين رجال) لا لأنه عورة، بل (لخوف الفتنة).
قال ابن عابدين في حاشيته: (والمعنى: تمنع من الكشف لخوف أن يرى الرجال وجهها، فتقع الفتنة؛ لأنه مع الكشف قد يقع النظر إليها بشهوة).
والأولى بالمسلم والأورع له أن يأخذ بالأحوط لدينه، ففي ذلك السلامة، وليعمل على كل ما يعينه على الثبات؛ من العلم النافع، والعمل الصالح، ومصاحبة أهل الخير، وحضور مجالسهم، وانظري الفتاوى التالية أرقامها: 1208، 10800، 12928.
والله أعلم.