الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق لنا الجواب عن هذه الشبهة في الفتاوى التالية أرقامها: 47081، 45817، 169723.
ولمزيد الإيضاح ننقل كلام القرطبي في المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، حيث قال: لم يصم النبي صلى الله عليه وسلم عاشوراء اقتداء باليهود، فإنه كان يصوم قبل قدومه عليهم وقبل علمه بحالهم، لكن الذي حدث له عند ذلك إلزامه والتزامه استئلافا لليهود واستدراجا لهم، كما كانت الحكمة في استقباله قبلتهم، وكان هذا الوقت هو الوقت الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب فيه موافقة أهل الكتاب فيما لم ينه عنه. اهـ.
وأما حديث ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم حين صام يوم عاشوراء وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله، إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإذا كان العام المقبل ـ إن شاء الله ـ صمنا اليوم التاسع.
فقال فيه القرطبي: كان هذا القول من النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن تمادى على صومه عشر سنين أو نحوها، بدليل أن أمره بصومه إنما كان حين قدم المدينة، وهذا القول الآخر كان في السنة التي توفي فيها في يوم عاشوراء من محرم تلك السنة، وتوفي هو صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول منها، لم يختلف في ذلك... وقوله صلى الله عليه وسلم: فإذا كان العام المقبل صمنا اليوم التاسع ـ إنما قال هذا صلى الله عليه وسلم لحصول فائدة الاستئلاف المتقدم، وكانت فائدئه: إصغاءهم لما جاء به حتى يتبين لهم الرشد من الغي، فيحيا من حي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة، ولما ظهر عنادهم كان يحب مخالفتهم ـ أعني: أهل الكتاب ـ فيما لم يؤمر به، وبهذا النظر وبالذي تقدم يرتفع التعارض المتوهم في كونه صلى الله عليه وسلم كان يحب موافقة أهل الكتاب، وكان يحب مخالفتهم، وأن ذلك في وقتين وحالتين، لكن الذي استقر حاله عليه: أنه كان يحب مخالفتهم، إذ قد وضح الحق وظهر الأمر ولو كره الكافرون. اهـ.
والله أعلم.