الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من المعلوم ما فطر الله عليه بني آدم من ميل الجنسين إلى بعضهما، لذا جاء الشرع بالمباعدة بين الرجال والنساء الأجانب، وسد الشرع الحكيم السبل المفضية إلى افتتنان الجنسين ببعضهما، ومن ذلك منع الحديث بين الرجال والنساء الأجنبيات دون حاجة، لما يؤدي إليه من الفتنة، كما بيناه في الفتوى رقم: 111850. وكذلك المراسلة بين الأجنبيين، فهو وإن كان أخف وطأة من الكلام بينهما، إلا أنه ذريعة للفتنة أيضا.
وكون الفتاة صالحة وأنت ملتزم ـ على حد تعبيرك ـ ووالدة الفتاة على علم بالتواصل بينكما، وأن الحديث بينكما في أمور الدين: كل ذلك لا يسوغ لك التواصل مع تلك الفتاة الأجنبية عنك، ويخشى أن يكون هذا التواصل خطوة من خطوات الشيطان التي يستدرج بها المسلم، ليصل به إلى الوقوع في الموبقات، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ {النور:21}. وعن الحسن بن صالح، قال: إن الشيطان ليفتح للعبد تسعة وتسعين بابا من الخير، يريد بها بابا من الشر. ذكره الذهبي في كتابه: سير أعلام النبلاء.
ولن تجد تحذيرا من فتنة النساء وعظيم خطرها كمثل قول النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء. متفق عليه.
فنوصيك بقطع علاقتك بهذه الفتاة، والبعد عن الحديث والتواصل معها، وقد كان السلف الصالح على عظيم ديانتهم وخشيتهم يعظمون شأن فتنة النساء، ويتجافون عنها كل التجافي، جاء عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، أنه قال: ما أيس الشيطان من شيء إلا أتاه من قبل النساء ـ ثم قال لنا سعيد ـ وهو ابن أربع وثمانين سنة، وقد ذهبت إحدى عينيه، وهو يعشو بالأخرى: ما شيء أخوف عندي من النساء. وعن ميمون بن مهران، قال: ثلاث لا تبلون نفسك بهن: لا تدخل على السلطان، وإن قلت: آمره بطاعة الله، ولا تصغين بسمعك إلى هوى، فإنك لا تدري ما يعلق بقلبك منه، ولا تدخل على امرأة، ولو قلت: أعلمها كتاب الله. وعن عطاء بن أبي رباح، قال: لو ائتمنت على بيت مال، لكنت أمينا، ولا آمن نفسي على أمة شوهاء. ذكر هذه الآثار الذهبي في كتابه: سير أعلام النبلاء. فما أحسن التأسي بحالهم، والاقتداء بهديهم.
والله أعلم.