الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن العزلة المذكورة لا تعني بعد المسافة التي تمنع السمع عادة، وقد اختلف فيها المفسرون، فحملها بعضهم على عدم ركوب السفينة، وحملها آخرون على مخالفته لنوح في الدِّين، قال الطبري: قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: وهي تجري بهم ـ والفلك تجري بنوح ومن معه فيها: في موج كالجبال ونادى نوح ابنه ـ يام: وكان في معزل عنه، لم يركب معه الفلك: يا بني اركب معنا ـ الفلك: ولا تكن مع الكافرين.
وقال القرطبي في التفسير: كان في معزل ـ أي من دِين أبيه، وقيل: عن السفينة، وقيل: إن نوحًا لم يعلم أن ابنه كان كافرًا، وأنه ظن أنه مؤمن؛ ولذلك قال له: ولا تكن مع الكافرين ـ وسيأتي، وكان هذا النداء من قبل أن يستيقن القوم الغرق، وقبل رؤية اليأس، بل كان في أول ما فار التنور، وظهرت العلامة لنوح. اهـ.
وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير: وجملة: وكان في معزل ـ حال من ابنه، والمعزل: مكان العزلة، أي الانفراد، أي في معزل عن المؤمنين، إما لأنه كان لم يؤمن بنوح ـ عليه السلام ـ فلم يصدق بوقوع الطوفان، وإما لأنه ارتد، فأنكر وقوع الطوفان، فكفر بذلك؛ لتكذيبه الرسول. اهـ.
والله أعلم.