الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يغفر ذنبك، ويطهر قلبك، نوصيك بالمبادرة بالتوبة إلى الله عز وجل، وذلك بالندم والاستغفار لما مضى، والإقلاع الفوري عن الذنب، وعقد العزم على عدم الأوبة إليه مرة أخرى، وألا تيأس ولا تقنط من روح الله ورحمته، بل كلما زلت قدمك في معصية فاغسل درنها بتوبة وأوبة واستغفار، ونوصيك بالاستعانة بالله تعالى وإظهار الفاقة إليه، إذ لا سبيل لك إلى هداية أو إنابة إلا بمعونته وفضله، فاضرع إلى ربك أن يصرف عنك مضلات الشهوات، واسأله سبحانه أن يثبتك على طاعته، فإن القلوب بين إصبعين من أصابعه تعالى يقلبها كيف يشاء.
وأعقب إساءتك بإحسان وطاعة تكون كفارة لها فإن الحسنات ماحية السيئات؛ كما قال تعالى: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ {هود:114}، وحافظ على الفرائض ـ لا سيما الصلوات الخمس في أوقاتها مع الجماعة ـ فهي سياج حصين عن الوقوع في ما يكره الله؛ كما قال سبحانه: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ {العنكبوت:45}، وإذا استحضرت ضرر المعاصي وشؤم عاقبتها في دينك ودنياك وآخرتك هان عليك البعد عنها، واتخذ رفقة صالحة يذكرونك إن غفلت، ويعينوك إن ذكرت، وتجاف عن رفقاء السوء، فالمرء يقتدي بخلانه، وأقبل على كتاب الله استماعا وتلاوة وتدبرا فهو نور الصدور وشفاء القلوب. وعليك أن تبادر بالنكاح فإنه أغض لبصرك وأحصن لفرجك.
ومما يعينك على الثبات على التوبة ملازمة ذكر الله والاجتهاد في نوافل العبادات، وسماع الأشرطة النافعة في باب الوعظ والرقاق، وقراءة الكتب النافعة في هذا الباب، والتفكر في أسماء الرب وصفاته، وفي الموت وما بعده من الأهوال العظام والأمور الجسام، واستحضار اطلاع الله على العبد ومراقبته له وإحاطته به وأنه لا يخفى عليه شيء من أمره، فيستحيي العبد أن يؤوب إلى المعصية وربه ناظر إليه مطلع عليه.
وإن مما يزهد العبد في المعصية أن يعلم أن لذتها عابرة لا تلبث أن تزول، ثم يعود العاصي إلى نكد وضيق أعظم مما كان عليه قبل المعصية، قال ابن القيم: إِن حقيقة العبد روحه وقلبه ولا صلاح لها إِلا بإلهها الذي لا إِله إِلا هو، فلا تطمئن في الدنيا إِلا بذكره، وهي كادحة إِليه كدحاً فملاقيته، ولا بد لها من لقائه، ولا صلاح لها إِلا بمحبتها وعبوديتها له ورضاه وإِكرامه لها ولو حصل للعبد من اللذات والسرور بغير الله ما حصل لم يدم له ذلك، بل ينتقل من نوع إِلى نوع ومن شخص إِلى شخص ويتنعم بهذا في وقت ثم يتعذب به ولا بد في وقت آخر، وكثيراً ما يكون ذلك الذى يتنعم به ويلتذ به غير منعم له ولا ملذ، بل قد يؤذيه اتصاله به ووجوده عنده ويضره ذلك، وإنما يحصل له بملابسته من جنس ما يحصل للجرب من لذة الأَظفار التي تحكه، فهي تدمي الجلد وتخرقه وتزيد في ضرره، وهو يؤثر ذلك لما له في حكها من اللذة، وهكذا ما يتعذب به القلب من محبة غير الله هو عذاب عليه ومضرة وأَلم في الحقيقة لا تزيد لذته على لذة حك الجرب. اهـ. من طريق الهجرتين . فمن أعظم المصائب على العبد أن يجد راحته ولذته حين يعصي الله.
وقد سبق أن بينا وسائل التخلص من مشاهدة المحرمات في الفتوى رقم: 137744، وإحالاتها فلتراجع.
وراجع للفائدة حول العودة للذنب بعد التوبة الفتوى رقم: 111852.
والله أعلم.